منه أن يجيره بمكة. فقال: إن حليف قريش لا يجير على صميمها. ثم بعثه إلى سهيل بن عمرو ليجيره فقال: إن بني عامر بن لؤي لا تجير على بني كعب بن لؤي. فبعثه إلى المطعم بن عدي ليجيره فقال نعم! قل له فليأت. فذهب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبات عنده تلك الليلة، فلما أصبح خرج معه هو وبنوه ستة - أو سبعة - متقلدي السيوف جميعا فدخلوا المسجد وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
طف واحتبوا بحمائل سيوفهم في المطاف، فأقبل أبو سفيان إلى مطعم. فقال: أمجير أو تابع؟ قال لا بل مجير. قال إذا لا تخفر. فجلس معه حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم طوافه، فلما انصرف انصرفوا معه. وذهب أبو سفيان إلى مجلسه. قال فمكث أياما ثم أذن له في الهجرة، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة توفي مطعم بن عدي بعده بيسير فقال حسان بن ثابت والله لأرثينه فقال فيما قال:
فلو كان مجد مخلد اليوم واحد * من الناس نحى مجده اليوم مطعما أجرت رسول الله منهم فأصبحوا * عبادك ما لبى محل وأحرما فلو سئلت عنه معد بأسرها * وقحطان أو باقي بقية جرهما لقالوا هو الموفي بخفرة جاره * وذمته يوما إذا ما تجشما وما تطلع الشمس المنيرة فوقهم * على مثله فيهم أعز وأكرما إباء إذا يأبى وألين شيمة * وأنوم عن جار إذا الليل أظلما قلت ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم أسارى بدر: " لو كان المطعم بن عدي حيا ثم سألني في هؤلاء النقباء (1) لوهبتهم له ".
فصل في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه الكريمة على أحياء العرب قال ابن إسحاق: ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وقومه أشد ما كانوا عليه من خلافه وفراق دينه إلا قليلا مستضعفين ممن آمن به، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه في المواسم - إذا كانت - على قبائل العرب يدعوهم إلى الله عز وجل، ويخبرهم أنه نبي مرسل، ويسألهم أن يصدقوه ويمنعوه حتى يبين عن الله ما بعثه به.
قال ابن إسحاق: فحدثني من أصحابنا، من لا أتهم عن زيد بن أسلم عن ربيعة بن عباد