البداية والنهاية - ابن كثير - ج ٣ - الصفحة ٢١٤
فصل في سبب هجرة (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة قال الله تعالى: (وقل ربي أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا) [الاسراء: 80] أرشده الله وألهمه أن يدعو بهذا الدعاء [و] أن يجعل له مما هو فيه فرجا قريبا ومخرجا عاجلا، فأذن له تعالى في الهجرة إلى المدينة النبوية حيث الأنصار والأحباب، فصارت له دارا وقرارا، وأهلها له أنصارا.
قال أحمد بن حنبل وعثمان بن أبي شيبة: عن جرير عن قابوس بن أبي ظبيان (2) عن أبيه عن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فأمر بالهجرة وأنزل عليه: (وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا) (3) وقال قتادة: (أدخلني مدخل صدق) المدينة (وأخرجني مخرج صدق) الهجرة من مكة (واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا) كتاب الله وفرائضه وحدوده (4).
قال ابن إسحاق: وأقام رسول الله بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة ولم يتخلف معه بمكة إلا من حبس أو فتن (5)، إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر بن أبي قحافة رضي الله عنهما وكان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فيقول له: لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا " فيطمع أبو بكر أن يكونه. فلما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صار له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم، عرفوا أنهم

(١) أنظر في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة: ابن هشام ٢ / ١٢٣ وما بعدها. ابن سعد ١ / ٢٢٧ وما بعدها. صحيح البخاري ٥ / ٥٦ الطبري ٢ / ٢٥٣ وما بعدها دار القاموس. أنساب الأشراف ١ / ١٢٠ عيون الأثر ١ / ٢٢١ تاريخ الاسلام للذهبي ٢ / ٢١٨ النويري ١٦ / ٣٣٠. الدرر لابن عبد البر (ص ٨٠).
(٢) قابوس بن أبي ظبيان، وفي نسخة: طهمان، ذكره ابن حبان في المجروحين وقال: كان ردى الحفظ ينفرد عن أبيه بما لا أصل له، ربما رفع المراسيل وأسند الوقوف. وذكره العقيلي في الضعفاء الكبير. وقد روى هذا الحديث مرسلا عن ابن عباس.
(٣) أخرجه الترمذي في ٤٨ كتاب تفسير القرآن - باب تفسير سورة الإسراء ح 3139 عن أحمد بن منيع. وقال:
هذا حديث صحيح حسن.
(4) زاد البيهقي: فإن السلطان عزة من الله جعلها بين أظهر عباده، لولا ذلك لأغار بعضهم على بعض وأكل شديدهم ضعيفهم 2 / 517 وأضاف القرطبي على رواية البيهقي قال: وقال الضحاك: هو خروجه من مكة، ودخوله مكة يوم الفتح (10 / 313).
(5) في ابن سعد: أو مفتون محبوس، أو مريض، أو ضعيف عن الخروج.
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 ... » »»
الفهرست