البيهقي وكذلك رواه سليمان بن بلال عن هشام بن عروة كما رواه عبدة. انفرد به البخاري. وقد رواه في أماكن من صحيحه وصرح في بعضها بعبد الله بن عمرو بن العاص، وهو أشبه لرواية عروة عنه، وكونه عن عمرو أشبه لتقدم هذه القصة (1). وقد روى البيهقي عن الحاكم عن الأصم (2) عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس عن محمد بن إسحاق: حدثني يحيى بن عروة عن أبيه عروة.
قال قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: ما أكثر ما رأيت قريشا أصابت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانت تظهره من عداوته (3)؟ فقال: لقد رأيتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحجر، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط، سفه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعاتنا، وسب آلهتنا، وصرنا منه (4) على أمر عظيم - أو كما قال - قال فبينما هم في ذلك طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل يمشي حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفا بالبيت فغمزوه ببعض القول، فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضى فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها فعرفتها في وجهه فمضى فمر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها. فقال (5): " أتسمعون يا معشر قريش؟ أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح ". فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم من رجل إلا وكأنما على رأسه طائر وقع (6) حتى أن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفؤه [أحسن ما يجد من القول] حتى إنه ليقول انصرف أبا القاسم راشدا فما كنت بجهول. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم، فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه، حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه. فبينما هم على ذلك طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوثبوا إليه وثبة رجل واحد فأحاطوا به يقولون: أنت الذي تقول كذا وكذا؟ لما كان يبلغهم من عيب آلهتهم ودينهم، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعم أنا الذي أقول ذلك " ولقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجامع ردائه، وقام أبو بكر يبكي (7) دونه ويقول: ويلكم (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله) ثم انصرفوا عنه. فإن ذلك لأكبر ما رأيت قريشا بلغت منه قط.