النجدي: لا والله ما هذا لكم برأي ألم تروا حسن حديثه، وحلاوة منطقه، وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به؟ والله لو فعلتم ذلك ما أمنت أن يحل على حي من العرب (1)، فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه، ثم يسير بهم إليكم حتى يطأكم بهم فيأخذ أمركم من أيديكم، ثم يفعل بكم ما أراد، أديروا (2) فيه رأيا غير هذا. فقال أبو جهل بن هشام: والله إن لي فيه رأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد. قالوا: وما هو يا أبا الحكم؟ قال: أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جليدا نسيبا وسيطا فينا ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما، ثم يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه، فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعها، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا. فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم، قال يقول الشيخ النجدي: القول ما قال الرجل هذا الرأي ولا رأي غيره (3) فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له. فأتى جبرائيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه. قال فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيثبون عليه، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب: " نم على فراشي وتسج (4) ببردي هذا الحضرمي الأخضر، فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شئ تكرهه منهم " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام.
وهذه القصة التي ذكرها ابن إسحاق قد رواها الواقدي بأسانيده عن عائشة وابن عباس وعلي وسراقة بن مالك بن جعشم وغيرهم دخل حديث بعضهم في بعض فذكر نحو ما تقدم.
قال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن أبي زياد عن محمد بن كعب القرظي. قال: لما اجتمعوا له وفيهم أبو جهل قال - وهم على بابه - إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بعثتم من بعد موتكم، فجعلت لكم جنان كجنان الأردن، وإن لم تفعلوا كان فيكم ذبح ثم بعثتم بعد موتكم، ثم جعلت لكم نار تحرقون فيها. قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ حفنة من تراب في يده ثم قال: " نعم أنا أقول ذلك، أنت أحدهم " وأخذ الله على أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هذه الآيات: (يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم) إلى قوله: (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون) [يس: 1 - 9] ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع