فناديتهم الأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت من الحبس عنهم (1) أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع. فلم يرزآني ولم يسألاني إلا أن قالا:
أخف عنا. فسألته أن يكتب لي كتاب أمن فأمر عامر بن فهيرة فكتب لي رقعة من أدم. ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
وقد روى محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم عن أبيه عن عمه سراقة فذكر هذه القصة، إلا أنه ذكر أنه استقسم بالأزلام أول ما خرج من منزله فخرج السهم الذي يكره لا يضره، وذكر أنه عثر به فرسه أربع مرات، وكل ذلك يستقسم بالأزلام ويخرج الذي يكره لا يضره. حتى ناداهم بالأمان. وسأل أن يكتب له كتابا يكون أمارة (3) ما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فكتب لي كتابا في عظم - أو رقعة أو خرقة - وذكر أنه جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة (4) مرجعه من الطائف، فقال له: " يوم وفاء وبر، أدنه " فدنوت منه وأسلمت. قال ابن هشام: هو عبد الرحمن بن الحارث بن مالك بن جعشم وهذا الذي قاله جيد.
ولما رجع سراقة جعل لا يلقى أحدا من الطلب إلا رده وقال: كفيتم هذا الوجه، فلما ظهر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وصل إلى المدينة. جعل سراقة يقص على الناس ما رأى وما شاهد من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما كان من قضية جواده، واشتهر هذا عنه. فخاف رؤساء قريش معرته، وخشوا أن يكون ذلك سببا لاسلام كثير منهم، وكان سراقة أمير بني مدلج ورئيسهم، فكتب أو جهل - لعنه الله - إليهم:
بني مدلج إني أخاف سفيهكم * سراقة مستغو لنصر محمد عليكم به ألا يفرق جمعكم * فيصبح شتى بعد عز وسؤدد قال: فقال سراقة بن مالك يجيب أبا جهل في قوله هذا:
أبا حكم والله لو كنت شاهدا * لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه عجبت ولم تشكك بأن محمدا * رسول وبرهان فمن ذا يقاومه (5)