قرطي ثم انصرفوا. قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير أن أباه حدثه عن جدته أسماء قالت: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر معه، احتمل أبو بكر ماله كله معه خمسة آلاف درهم - أو ستة آلاف درهم - فانطلق بها معه، قالت: فدخل علينا جدي أبو قحافة - وقد ذهب بصره - فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه؟ قالت: قلت: كلا يا أبة إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا، قالت وأخذت أحجارا فوضعتها في كوة في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوبا، ثم أخذت بيده فقلت يا أبة ضع يدك على هذا المال. قالت فوضع يده عليه فقال: لا بأس إذ كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم، ولا والله ما ترك لنا شيئا ولكن أردت أن أسكن الشيخ بذلك.
وقال ابن هشام: وحدثني بعض أهل العلم أن الحسن بن أبي الحسن البصري. قال:
انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار ليلا، فدخل أبو بكر قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمس الغار لينظر أفيه سبع أو حية، بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه. وهذا فيه انقطاع من طرفيه. وقد قال أبو القاسم البغوي حدثنا داود بن عمرو الضبي، ثنا نافع بن عمر الجمحي، عن ابن أبي مليكة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج هو وأبو بكر إلى ثور، فجعل أبو بكر يكون أمام النبي صلى الله عليه وسلم مرة، وخلفه مرة.
فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: إذا كنت خلفك خشيت أن تؤتى من أمامك، وإذا كنت أمامك خشيت أن تؤتى من خلفك. حتى إذا انتهى إلى الغار من ثور قال أبو بكر: كما أنت حتى أدخل يدي فأحسه وأقصه فإن كانت فيه دابة أصابتني قبلك. قال نافع: فبلغني أنه كان في الغار جحر فألقم أبو بكر رجله ذلك الجحر تخوفا أن يخرج منه دابة أو شئ يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا مرسل. وقد ذكرنا له شواهد أخر في سيرة الصديق رضي الله عنه.
وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسحاق، أنا موسى بن الحسن ثنا عباد، ثنا عفان بن مسلم ثنا السري بن يحيى ثنا محمد بن سيرين. قال: ذكر رجال على عهد عمر فكأنهم فضلوا عمر على أبي بكر. فبلغ ذلك عمر فقال: والله لليلة من أبي بكر خير من آل عمر، وليوم من أبي بكر خير من آل عمر لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة انطلق إلى الغار ومعه أبو بكر فجعل يمشي ساعة بين يديه وساعة خلفه، حتى فطن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا أبا بكر مالك تمشي ساعة خلفي وساعة بين يدي؟ " فقال: يا رسول الله أذكر الطلب، فأمشي خلفك، ثم أذكر الرصد، فأمشي بين يديك. فقال: " يا أبا بكر لو كان شئ لأحببت أن يكون بك دوني؟ " قال: نعم، والذي بعثك بالحق [ما كانت لتكون من ملمة إلا أحببت أن تكون لي دونك] (1). فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: مكانك يا رسول الله حتى أستبرئ لك الغار،