أبو جهل: يا [بن] أخي والله لقد استغلظت بعيري هذا أفلا تعقبني على ناقتك هذه؟ قال:
بلى. فأناخ وأناخا ليتحول عليها، فلما استووا بالأرض عدوا عليه فأوثقاه رباطا، ثم دخلا به مكة وفتناه فافتتن. قال عمر: فكنا نقول: لا يقبل الله ممن افتتن توبة. وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنزل الله: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون، واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون) [الزمر: 53 - 55] قال عمر: وكتبتها وبعثت بها إلى هشام بن العاص. قال هشام: فلما أتتني جعلت اقرأها بذي طوى (1) أصعد بها وأصوب ولا أفهمها حتى قلت: اللهم فهمنيها، فألقى الله في قلبي أنها إنما أنزلت فينا وفيما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا، قال: فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة. وذكر ابن هشام أن الذي قدم بهشام بن العاص، وعياش بن أبي ربيعة إلى المدينة، الوليد [بن الوليد] بن المغيرة سرقهما من مكة وقدم بها يحملهما على بعيره وهو ماش معهما، فعثر فدميت أصبعه فقال:
هل أنت إلا أصبع دميت * وفي سبيل الله ما لقيت وقال البخاري حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة أنبأنا أبو إسحاق سمع البراء. قال: أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم، ثم قدم علينا عمار وبلال. وحدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق سمعت البراء بن عازب. قال: أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وكانا يقرئان الناس، فقدم بلال وسعد وعمار بن ياسر، ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدم النبي صلى الله عليه وسلم. فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشئ فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعل الإماء يقلن: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما قدم حتى قرأت سبح اسم ربك الاعلى في سور من المفصل. ورواه مسلم في صحيحه من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب بنحوه وفيه التصريح بأن سعد بن أبي وقاص هاجر قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وقد زعم موسى بن عقبة عن الزهري أنه إنما هاجر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصواب ما تقدم (2).
قال ابن إسحاق: ولما قدم عمر بن الخطاب المدينة هو ومن لحق به من أهله وقومه وأخوه