البداية والنهاية - ابن كثير - ج ١ - الصفحة ٢٥٨
فجعل أيوب يحشي في ثوبه، فناداه ربه عز وجل (يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى) قال: بلى يا رب، ولكن لا غني لي عن بركتك " (1). رواه البخاري من حديث عبد الرزاق به.
وقوله (أركض برجلك) أي اضرب الأرض برجلك فامتثل ما أمر به فأنبع الله له عينا باردة الماء وأمر أن يغتسل فيها، ويشرب منها، فأذهب الله عنه ما كان يجده من الألم والأذى والسقم والمرض، الذي كان في جسده ظاهرا وباطنا وأبدله الله بعد ذلك كله صحة ظاهرة وباطنة وجمالا تاما ومالا كثيرا حيث صب له من المال صبا مطرا عظيما جرادا (2) من ذهب وأخلف الله له أهله كما قال تعالى (وآتيناه أهله ومثلهم معهم) [الأنبياء: 84]. فقيل أحياهم الله بأعيانهم.
وقيل آجره فيمن سلف وعوضه عنهم في الدنيا بدلهم وجمع له شمله بكلهم في الدار الآخرة. وقوله (رحمة من عندنا) أي رفعنا عنه شدته (وكشفنا ما به من ضر) رحمة منا به ورأفة وإحسانا (وذكرى للعابدين) أي تذكرة لمن ابتلى في جسده أو ماله أو ولده فله أسوة بنبي الله أيوب حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك فصبر واحتسب حتى فرج الله عنه.
ومن فهم من هذا اسم امرأته فقال هي رحمة من هذه الآية فقد أبعد النجعة وأغرق النزع (3). وقال الضحاك عن ابن عباس رد الله إليها شبابها وزادها حتى ولدت له ستة وعشرون ولدا ذكرا.
وعاش أيوب بعد ذلك سبعين سنة بأرض الروم على دين الحنيفية ثم غيروا بعده دين إبراهيم. وقوله (خذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب) [ص: 44] هذه رخصة من الله تعالى لعبده ورسوله أيوب عليه السلام فيما كان من حلفه ليضربن امرأته مائة سوط فقيل حلفه ذلك لبيعها ضفائرها. وقيل لأنه عرضها الشيطان في صورة طبيب يصف لها دواء لأيوب فأتته فأخبرته فعرف أنه الشيطان فحلف ليضربها مائة سوط. فلما عافاه الله عز وجل أفتاه أن يأخذ ضغثا (4) وهو كالعثكال (5) الذي يجمع الشماريخ (6) فيجمعها كلها ويضربها به ضربة واحدة ويكون هذا منزلا منزلة الضرب بمائة سوط ويبر ولا يحنث. وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأطاعه ولا سيما في حق امرأته الصابرة المحتسبة المكابدة الصديقة البارة الراشدة رضي الله عنها. ولهذا عقب الله هذه الرخصة وعللها بقوله (إنا وجدناه صابرا

(1) مسند أحمد ج 2 / 314 والبخاري في صحيحه 5 / 20 - 60 / 20 و 97 / 35.
(2) جراد: آنية.
(3) النزع. النبت، (4) الضغث: قبضة من قضبان مختلفة، يجمعها أصل واحد مثل الأسل.
(5) العثكال: ما علق من عهن أو صوف أو زينة فتذبذب في الهواء.
(6) الشماريخ: واحدها شمراخ، وشماريخ العثكال أغصانه. وأصله في العذق.
(٢٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المنهاج في تأليف الكتاب 5
2 فصل 9
3 فصل 10
4 وأما الكرسي 14
5 ذكر اللوح المحفوظ 15
6 ما ورد في خلق السماوات والأرض وما بينهما 16
7 ما جاء في سبع أرضين 20
8 فصل في البحار والأنهار 23
9 فصل 29
10 ذكر ما يتعلق بخلق السماوات وما فيهن من الآيات 30
11 أ - الاجماع على أن السماوات مستديرة ب - حديث سب الدهر ج - اليونانيون ودمشق د - هاروت وماروت المجرة وقوس قزح 40
12 باب ذكر خلق الملائكة وصفاتهم 41
13 فصل 52
14 فصل 60
15 باب خلق الجان وقصة الشيطان 61
16 باب خلق آدم عليه السلام 74
17 احتجاج آدم وموسى عليهما السلام 91
18 الأحاديث الواردة في خلق آدم 95
19 قصة قابيل وهابيل 103
20 وفاة آدم ووصيته إلى ابنه شيث 109
21 إدريس عليه السلام 111
22 قصة نوح عليه السلام 133
23 ذكر شئ من أخبار نوح عليه السلام 133
24 صومه عليه السلام 135
25 حجه عليه السلام 135
26 وصيته لولده 136
27 قصة هود عليه السلام 137
28 قصة صالح نبي ثمود عليه السلام 150
29 ذكر أبي رغال من بني ثمود 158
30 مرور النبي بوادي الحجر من أرض ثمود عام تبوك 159
31 قصة إبراهيم خليل الرحمن 160
32 ذكر مناظرة إبراهيم الخليل مع من ادعى الربوبية وهو أحد العبيد الضعفاء 170
33 هجرة الخليل إلى بلاد الشام ثم الديار المصرية واستقراره في الأرض المقدسة 172
34 ذكر مولد إسماعيل من هاجر 176
35 ذكر مهاجرة إبراهيم بابنه إسماعيل وأمه إلى جبل فاران وهي أرض مكة وبنائه البيت العتيق 176
36 قصة الذبيح 181
37 مولد إسحاق 185
38 بناء البيت العتيق 187
39 ذكر ثناء الله ورسوله الكريم على عبده وخليله إبراهيم 191
40 قصره في الجنة 199
41 صفة إبراهيم عليه السلام 200
42 وفاة إبراهيم وما قيل في عمره 200
43 ذكر أولاد إبراهيم الخليل 202
44 قصة مدين قوم شعيب عليه السلام 212
45 باب ذرية إبراهيم 220
46 إسماعيل عليه السلام 220
47 إسحاق بن إبراهيم عليهما الصلاة والتسليم 222
48 ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل 227
49 قصة نبي الله أيوب 254
50 قصة ذي الكفل 259
51 باب ذكر أمم أهلكوا بعامة 261
52 قصة قوم يس وهم أصحاب القرية 264
53 قصة يونس 267
54 فضل يونس 272
55 قصة موسى الكليم 273
56 فصل 296
57 هلاك فرعون وجنوده 309
58 امر بني إسرائيل بعد هلاك فرعون 316
59 دخول بني إسرائيل التيه وما فيه من الأمور العجيبة 323
60 سؤال الرؤية 327
61 قصة عبادتهم العجل في غيبة كليم الله عنهم 330
62 حديث آخر بمعنى ما ذكره ابن حبان 338
63 قصة بقرة بني إسرائيل 339
64 قصة موسى والخضر عليهما السلام 341
65 حديث الفتون المتضمن قصة موسى مفصلا من أولها إلى آخرها 347
66 بناء قبة الزمان 356
67 قصة قارون مع موسى عليه السلام 358
68 باب فضائل موسى عليه السلام وشمائله وصفاته ووفاته 362
69 حجته عليه السلام إلى البيت العتيق 366
70 وفاته عليه السلام 367
71 نبوة يوشع وقيامه بأعباء بني إسرائيل بعد موسى وهارون (الأسباط - بلعام - وفاة موسى وهارون - فتح أريحا) 370
72 قصتا الخضر وإلياس عليهما السلام 377
73 ذكر الاختلاف في اسم الخضر ونسبه وزمن وجوده ونبوته، وحياته إلى الآن، مفصلا 378
74 وأما الياس عليه السلام 391