فجعل أيوب يحشي في ثوبه، فناداه ربه عز وجل (يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى) قال: بلى يا رب، ولكن لا غني لي عن بركتك " (1). رواه البخاري من حديث عبد الرزاق به.
وقوله (أركض برجلك) أي اضرب الأرض برجلك فامتثل ما أمر به فأنبع الله له عينا باردة الماء وأمر أن يغتسل فيها، ويشرب منها، فأذهب الله عنه ما كان يجده من الألم والأذى والسقم والمرض، الذي كان في جسده ظاهرا وباطنا وأبدله الله بعد ذلك كله صحة ظاهرة وباطنة وجمالا تاما ومالا كثيرا حيث صب له من المال صبا مطرا عظيما جرادا (2) من ذهب وأخلف الله له أهله كما قال تعالى (وآتيناه أهله ومثلهم معهم) [الأنبياء: 84]. فقيل أحياهم الله بأعيانهم.
وقيل آجره فيمن سلف وعوضه عنهم في الدنيا بدلهم وجمع له شمله بكلهم في الدار الآخرة. وقوله (رحمة من عندنا) أي رفعنا عنه شدته (وكشفنا ما به من ضر) رحمة منا به ورأفة وإحسانا (وذكرى للعابدين) أي تذكرة لمن ابتلى في جسده أو ماله أو ولده فله أسوة بنبي الله أيوب حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك فصبر واحتسب حتى فرج الله عنه.
ومن فهم من هذا اسم امرأته فقال هي رحمة من هذه الآية فقد أبعد النجعة وأغرق النزع (3). وقال الضحاك عن ابن عباس رد الله إليها شبابها وزادها حتى ولدت له ستة وعشرون ولدا ذكرا.
وعاش أيوب بعد ذلك سبعين سنة بأرض الروم على دين الحنيفية ثم غيروا بعده دين إبراهيم. وقوله (خذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب) [ص: 44] هذه رخصة من الله تعالى لعبده ورسوله أيوب عليه السلام فيما كان من حلفه ليضربن امرأته مائة سوط فقيل حلفه ذلك لبيعها ضفائرها. وقيل لأنه عرضها الشيطان في صورة طبيب يصف لها دواء لأيوب فأتته فأخبرته فعرف أنه الشيطان فحلف ليضربها مائة سوط. فلما عافاه الله عز وجل أفتاه أن يأخذ ضغثا (4) وهو كالعثكال (5) الذي يجمع الشماريخ (6) فيجمعها كلها ويضربها به ضربة واحدة ويكون هذا منزلا منزلة الضرب بمائة سوط ويبر ولا يحنث. وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأطاعه ولا سيما في حق امرأته الصابرة المحتسبة المكابدة الصديقة البارة الراشدة رضي الله عنها. ولهذا عقب الله هذه الرخصة وعللها بقوله (إنا وجدناه صابرا