فقال أتبكي كل قبر رأيته * لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك (1) فقلت له إن الأسى يبعث الأسى * فدعني فهذا كله قبر مالك وقوله (وابيضت عيناه من الحزن) أي من كثرة البكاء (فهو كظيم) أي مكظم (2) من كثرة حزنه وأسفه وشوقه إلى يوسف فلما رأى بنوه ما يقاسيه من الوجد وألم الفراق (قالوا) له على وجه الرحمة له والرأفة به والحرص عليه (تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين) يقولون لا تزال تتذكره حتى تنحل جسدك وتضعف قوتك فلو رفقت بنفسك كان أولى بك (قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون) يقول لبنيه لست أشكوا إليكم ولا إلى أحد من الناس ما أنا فيه إنما أشكو إلى الله عز وجل وأعلم أن الله سيجعل لي مما أنا فيه فرجا ومخرجا وأعلم أن رؤيا يوسف لا بد أن تقع ولا بد أن أسجد له أنا وأنتم حسب ما رأى ولهذا قال: (واعلم من الله ما لا تعلمون) ثم قال لهم محرضا على تطلب يوسف وأخيه وأن يبحثوا عن أمرهما. (يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله انه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) أي لا تيئسوا من الفرج بعد الشدة فإنه لا ييأس من روح الله وفرجه وما يقدره من المخرج في المضايق إلا القوم الكافرون (فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين.
قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون. قالوا أئنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين. قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين. قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين.
إذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين) [يوسف: 88 - 93].
يخبر تعالى عن رجوع إخوة يوسف إليه وقدومهم عليه ورغبتهم فيما لديه من الميرة والصدقة عليهم رد أخيهم بنيامين إليهم (فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر) أي من الجدب وضيق الحال وكثرة العيال (وجئنا ببضاعة مزجاة) أي ضعيفة لا يقبل مثلها منا إلا أن بتجاوز عنا. قيل كانت دراهم رديئة. وقيل قليلة وقيل حب الصنوبر وحب البطم ونحو ذلك.
وعن ابن عباس كانت خلق الغرائر والحبال ونحو ذلك (فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين) قيل بقبولها قاله السدي. وقيل برد أخينا إلينا قاله ابن جريج. وقال سفيان بن عيينة إنما حرمت الصدقة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونزع بهذه الآية رواه ابن جرير. فلما رأى ما هم فيه من الحال وما جاؤوا به مما لم يبق عندهم سواه من ضعيف المال تعرف إليهم وعطف عليهم قائلا لهم