البداية والنهاية - ابن كثير - ج ١ - الصفحة ١٨٨
استطاع إليه سبيلا. ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) [آل عمران: 96 - 97] وقال تعالى (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن. قال إني جاعلك للناس إماما. قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين. وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود. وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير. وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم. ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم) [البقرة: 124 - 126].
يذكر تعالى عن عبده ورسوله وصفيه وخليله، إمام الحنفاء ووالد الأنبياء [إبراهيم] عليه أفضل صلاة وتسليم أنه بنى البيت العتيق الذي هو أول مسجد وضع لعموم الناس يعبدون الله فيه وبوأه الله مكانه أي أرشده إليه ودله عليه * وقد روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وغيره أنه أرشد إليه بوحي من الله عز وجل. وقد قدمنا في صفة خلق السماوات أن الكعبة بحيال البيت المعمور بحيث أنه لو سقط لسقط عليها وكذلك معابد السماوات السبع، كما قال بعض السلف إن في كل سماء بيتا يعبد الله فيه أهل كل سماء وهو فيها كالكعبة لأهل الأرض فأمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام أن يبني له بيتا يكون لأهل الأرض كتلك المعابد لملائكة السماوات وأرشده الله إلى مكان البيت المهيأ له المعين لذلك منذ خلق السماوات والأرض كما ثبت في الصحيحين (1):
" أن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ". ولم يجئ في خبر صحيح عن معصوم أن البيت كان مبنيا قبل الخليل عليه السلام * ومن تمسك في هذا بقوله مكان البيت فليس بناهض ولا ظاهر لان المراد مكانه المقدر في علم الله المقرر في قدرته المعظم عند الأنبياء موضعه من لدن آدم إلى زمان إبراهيم * وقد ذكرنا أن آدم نصب عليه قبة وأن الملائكة قالوا له: قد طفنا قبلك بهذا البيت وأن السفينة طافت به أربعين (2) يوما أو نحو ذلك ولكن كل هذه الأخبار عن بني إسرائيل * وقد قررنا أنها لا تصدق ولا تكذب فلا يحتج بها فأما إن ردها الحق فهي مردودة. وقد قال الله (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين) [آل عمران: 96] أي أول بيت وضع لعموم الناس للبركة والهدى البيت الذي ببكة * قيل مكة وقيل محل الكعبة (فيه آيات بينات) [آل عمران - 97] أي على أنه بناء الخليل والد الأنبياء من بعده

(1) مسلم في 15 كتاب الحج 81 - 82 تحريم مكة ح 445 / 1353 ص 2 / 986 من طريق مجاهد عن طاوس عن ابن عباس. والبخاري حديث رقم 710.
(2) في الطبري: أسبوعا. وفي تاريخ مكة للأزرقي فكالأصل.
(١٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المنهاج في تأليف الكتاب 5
2 فصل 9
3 فصل 10
4 وأما الكرسي 14
5 ذكر اللوح المحفوظ 15
6 ما ورد في خلق السماوات والأرض وما بينهما 16
7 ما جاء في سبع أرضين 20
8 فصل في البحار والأنهار 23
9 فصل 29
10 ذكر ما يتعلق بخلق السماوات وما فيهن من الآيات 30
11 أ - الاجماع على أن السماوات مستديرة ب - حديث سب الدهر ج - اليونانيون ودمشق د - هاروت وماروت المجرة وقوس قزح 40
12 باب ذكر خلق الملائكة وصفاتهم 41
13 فصل 52
14 فصل 60
15 باب خلق الجان وقصة الشيطان 61
16 باب خلق آدم عليه السلام 74
17 احتجاج آدم وموسى عليهما السلام 91
18 الأحاديث الواردة في خلق آدم 95
19 قصة قابيل وهابيل 103
20 وفاة آدم ووصيته إلى ابنه شيث 109
21 إدريس عليه السلام 111
22 قصة نوح عليه السلام 133
23 ذكر شئ من أخبار نوح عليه السلام 133
24 صومه عليه السلام 135
25 حجه عليه السلام 135
26 وصيته لولده 136
27 قصة هود عليه السلام 137
28 قصة صالح نبي ثمود عليه السلام 150
29 ذكر أبي رغال من بني ثمود 158
30 مرور النبي بوادي الحجر من أرض ثمود عام تبوك 159
31 قصة إبراهيم خليل الرحمن 160
32 ذكر مناظرة إبراهيم الخليل مع من ادعى الربوبية وهو أحد العبيد الضعفاء 170
33 هجرة الخليل إلى بلاد الشام ثم الديار المصرية واستقراره في الأرض المقدسة 172
34 ذكر مولد إسماعيل من هاجر 176
35 ذكر مهاجرة إبراهيم بابنه إسماعيل وأمه إلى جبل فاران وهي أرض مكة وبنائه البيت العتيق 176
36 قصة الذبيح 181
37 مولد إسحاق 185
38 بناء البيت العتيق 187
39 ذكر ثناء الله ورسوله الكريم على عبده وخليله إبراهيم 191
40 قصره في الجنة 199
41 صفة إبراهيم عليه السلام 200
42 وفاة إبراهيم وما قيل في عمره 200
43 ذكر أولاد إبراهيم الخليل 202
44 قصة مدين قوم شعيب عليه السلام 212
45 باب ذرية إبراهيم 220
46 إسماعيل عليه السلام 220
47 إسحاق بن إبراهيم عليهما الصلاة والتسليم 222
48 ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل 227
49 قصة نبي الله أيوب 254
50 قصة ذي الكفل 259
51 باب ذكر أمم أهلكوا بعامة 261
52 قصة قوم يس وهم أصحاب القرية 264
53 قصة يونس 267
54 فضل يونس 272
55 قصة موسى الكليم 273
56 فصل 296
57 هلاك فرعون وجنوده 309
58 امر بني إسرائيل بعد هلاك فرعون 316
59 دخول بني إسرائيل التيه وما فيه من الأمور العجيبة 323
60 سؤال الرؤية 327
61 قصة عبادتهم العجل في غيبة كليم الله عنهم 330
62 حديث آخر بمعنى ما ذكره ابن حبان 338
63 قصة بقرة بني إسرائيل 339
64 قصة موسى والخضر عليهما السلام 341
65 حديث الفتون المتضمن قصة موسى مفصلا من أولها إلى آخرها 347
66 بناء قبة الزمان 356
67 قصة قارون مع موسى عليه السلام 358
68 باب فضائل موسى عليه السلام وشمائله وصفاته ووفاته 362
69 حجته عليه السلام إلى البيت العتيق 366
70 وفاته عليه السلام 367
71 نبوة يوشع وقيامه بأعباء بني إسرائيل بعد موسى وهارون (الأسباط - بلعام - وفاة موسى وهارون - فتح أريحا) 370
72 قصتا الخضر وإلياس عليهما السلام 377
73 ذكر الاختلاف في اسم الخضر ونسبه وزمن وجوده ونبوته، وحياته إلى الآن، مفصلا 378
74 وأما الياس عليه السلام 391