وإمام الحنفاء من ولده (1) الذين يقتدون به ويتمسكون بسنته ولهذا قال (مقام إبراهيم) أي الحجر الذي كان يقف عليه قائما لما ارتفع البناء عن قامته فوضع له ولده هذا الحجر المشهور ليرتفع عليه لما تعالى البناء وعظم الفناء كما تقدم في حديث ابن عباس الطويل. وقد كان هذا الحجر ملصقا بحائط الكعبة على ما كان عليه من قديم الزمان إلى أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخره عن البيت قليلا لئلا يشغل المصلين عنده الطائفين بالبيت واتبع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا فإنه قد وافقه ربه في أشياء منها في قوله لرسوله صلى الله عليه وسلم لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى (2) فأنزل الله (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) [البقرة: 135] وقد كانت آثار قدمي الخليل باقية في الصخرة إلى أول الاسلام وقد قال أبو طالب في قصيدته اللامية المشهورة.
وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه * وراق لبر في حراء ونازل (3) وبالبيت حق البيت من بطن مكة * وبالله إن الله ليس بغافل وبالحجر المسود إذ يمسحونه * إذ اكتنفوه بالضحى والأصائل وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة * على قدميه حافيا غير ناعل يعني أن رجله الكريمة غاصت في الصخرة فصارت على قدر قدمه حافية لا منتعلة ولهذا قال تعالى (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل) أي في حال قولهما (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) [البقرة: 128] فهما في غاية الاخلاص والطاعة لله عز وجل وهما يسألان من الله السميع العليم أن يتقبل منهما ما هما فيه من الطاعة العظيمة والسعي المشكور (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم) [البقرة: 128].
والمقصود أن الخليل بنى أشرف المساجد في أشرف البقاع في واد غير ذي زرع ودعا لأهلها بالبركة وأن يرزقوا من الثمرات مع قلة المياه وعدم الأشجار والزروع والثمار، وأن يجعله حرما محرما وآمنا محتما فاستجاب الله وله الحمد له مسألته ولبى دعوته وأتاه طلبته فقال تعالى (أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم) [العنكبوت: 67] وقال تعالى (أو لم نمكن لهم حرمنا آمنا يجبى إليه ثمرات كل شئ رزقا من لدنا) [القصص: 57] وسأل الله أن يبعث فيهم رسولا منهم أي من جنسهم وعلى لغتهم الفصيحة البليغة النصيحة، لتتم عليهم النعمتان الدنيوية والدينية سعادة الأولى والأخرى. وقد استجاب الله له فبعث فيهم رسولا وأي رسول ختم به