وهذا روي عن ابن عباس أن رأس الكبش لم يزل معلقا عند ميزاب الكعبة قد يبس. وهذا وحده دليل على أن الذبيح إسماعيل لأنه كان هو المقيم بمكة. واسحق لا نعلم أنه قدمها في حال صغره والله أعلم.
وهذا هو الظاهر من القرآن بل كأنه نص على أن الذبيح هو إسماعيل لأنه ذكر قصة الذبيح ثم قال بعده (وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين) [الصافات: 112 [ومن جعله حالا (1) فقد تكلف، ومستنده أنه إسحاق إنما هو إسرائيليات، وكتابهم فيه تحريف، ولا سيما ههنا قطعا لا محيد عنه، فان عندهم أن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده وفي نسخة من المعربة بكره اسحق فلفظة اسحق ههنا مقحمة مكذوبة مفتراة لأنه ليس هو الوحيد ولا البكر [انما] ذاك إسماعيل. وإنما حملهم على هذا حسد العرب فإن إسماعيل أبو العرب الذين يسكنون الحجاز الذين منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسحق والد يعقوب وهو إسرائيل الذين ينتسبون إليه فأرادوا أن يجروا هذا الشرف إليهم فحرفوا كلام الله وزادوا فيه وهم قوم بهت ولم يقروا بأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء. وقد قال بأنه اسحق طائفة كثيرة من السلف وغيرهم (2). وإنما أخذوه والله أعلم من كعب الأحبار أو صحف أهل الكتاب وليس في ذلك حديث صحيح عن المعصوم حتى نترك لأجله ظاهر الكتاب العزيز ولا يفهم هذا من القرآن بل المفهوم بل المنطوق بل النص عند التأمل على أنه إسماعيل. وما أحسن ما استدل محمد بن كعب القرظي على أنه إسماعيل وليس بإسحاق من قوله (فبشرناها بإسحاق ومن وراء اسحق يعقوب) [هود: 71] قال: فكيف تقع البشارة بإسحاق؟ وأنه سيولد له يعقوب، ثم يؤمر بذبح إسحاق، وهو صغير، قبل أن يولد له، هذا لا يكون لأنه يناقض البشارة المتقدمة والله أعلم.
وقد اعترض السهيلي على هذا الاستدلال بما حاصله أن قوله (فبشرناها بإسحاق) جملة تامة وقوله (ومن وراء إسحاق يعقوب) جملة أخرى ليست في حيز البشارة. قال لأنه لا يجوز من حيث العربية أن يكون مخفوضا إلا أن يعاد معه حرف الجر فلا يجوز أن يقال مررت بزيد ومن