البداية والنهاية - ابن كثير - ج ١ - الصفحة ١٩٣
حاصل على كل تقدير فأمره أن يمزق لحومهن وريشهن ويخلط ذلك بعضه في بعض ثم يقسمه قسما ويجعل على كل جبل منهن جزأ ففعل ما أمر به ثم أمر أن يدعوهن بإذن ربهن فلما دعاهن جعل كل عضو يطير إلى صاحبه وكل ريشة تأتي إلى أختها حتى اجتمع بدن كل طائر على ما كان عليه وهو ينظر إلى قدرة الذي يقول للشئ كن فيكون فآتين إليه سعيا ليكون أبين له وأوضح لمشاهدته من أن يأتين طيرانا * ويقال إنه أمر أن يأخذ رؤوسهن في يده فجعل كل طائر يأتي فيلقي رأسه فيتركب على جثته كما كان فلا إله إلا الله، وقد كان إبراهيم عليه السلام يعلم قدرة الله تعالى على إحياء الموتى علما يقينا لا يحتمل النقيض، ولكن أحب أن يشاهد ذلك عيانا ويترقى من علم اليقين إلى عين اليقين، فأجابه الله إلى سؤاله وأعطاه غاية مأموله * وقال تعالى (يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل الا من بعده أفلا تعقلون. ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم. فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون. ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين. إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) [آل عمران: 65 - 68] ينكر تعالى على أهل الكتاب من اليهود والنصارى في دعوى كل من الفريقين كون الخليل على ملتهم وطريقتهم فبرأه الله منهم وبين كثرة جهلهم وقلة عقلهم في قوله ((وما أنزلت التوراة والإنجيل الا من بعده) أي فكيف يكون على دينكم وأنتم إنما شرع لكم ما شرع بعده بمدد متطاولة ولهذا قال (أفلا تعقلون) إلى أن قال (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين). فبين أنه كان على دين الله الحنيف وهو القصد إلى الاخلاص، والانحراف وعمدا عن الباطل، إلى الحق الذي هو مخالف لليهودية والنصرانية والمشركية. كما قال تعالى (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين. ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون. أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي. قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل واسحق إلها واحدا

(1) اختلف الناس في سؤال إبراهيم ربه (وإذا قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى.) هل صدر من إبراهيم عن شك أم لا؟ فقال الجمهور: لم يكن إبراهيم عليه السلام شاكا في إحياء الله الموتى قط وإنما طلب المعاينة; وقال الحسن: سأله ليزداد يقينا إلى يقينه.
والشك فهو توقف بين أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر، وذلك هو المنفي عن إبراهيم; والمتأمل سؤاله وسائر ألفاظ الآية; فالاستفهام بكيف إنما هو عن حالة شئ موجود متقرر الوجود عند السائل والمسؤول، فإنما السؤال عن حال من أحواله. وكيف هنا إنما هي استفهام عن هيئة الاحياء، والاحياء متقرر.
قال الرازي: انه إنما سأل ذلك لقومه، والمقصود أن يشاهده فيزول الانكار عن قلوبهم. (التفسير الكبير للرازي - القرطبي أحكام القرطبي في تفسير سورة البقرة).
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المنهاج في تأليف الكتاب 5
2 فصل 9
3 فصل 10
4 وأما الكرسي 14
5 ذكر اللوح المحفوظ 15
6 ما ورد في خلق السماوات والأرض وما بينهما 16
7 ما جاء في سبع أرضين 20
8 فصل في البحار والأنهار 23
9 فصل 29
10 ذكر ما يتعلق بخلق السماوات وما فيهن من الآيات 30
11 أ - الاجماع على أن السماوات مستديرة ب - حديث سب الدهر ج - اليونانيون ودمشق د - هاروت وماروت المجرة وقوس قزح 40
12 باب ذكر خلق الملائكة وصفاتهم 41
13 فصل 52
14 فصل 60
15 باب خلق الجان وقصة الشيطان 61
16 باب خلق آدم عليه السلام 74
17 احتجاج آدم وموسى عليهما السلام 91
18 الأحاديث الواردة في خلق آدم 95
19 قصة قابيل وهابيل 103
20 وفاة آدم ووصيته إلى ابنه شيث 109
21 إدريس عليه السلام 111
22 قصة نوح عليه السلام 133
23 ذكر شئ من أخبار نوح عليه السلام 133
24 صومه عليه السلام 135
25 حجه عليه السلام 135
26 وصيته لولده 136
27 قصة هود عليه السلام 137
28 قصة صالح نبي ثمود عليه السلام 150
29 ذكر أبي رغال من بني ثمود 158
30 مرور النبي بوادي الحجر من أرض ثمود عام تبوك 159
31 قصة إبراهيم خليل الرحمن 160
32 ذكر مناظرة إبراهيم الخليل مع من ادعى الربوبية وهو أحد العبيد الضعفاء 170
33 هجرة الخليل إلى بلاد الشام ثم الديار المصرية واستقراره في الأرض المقدسة 172
34 ذكر مولد إسماعيل من هاجر 176
35 ذكر مهاجرة إبراهيم بابنه إسماعيل وأمه إلى جبل فاران وهي أرض مكة وبنائه البيت العتيق 176
36 قصة الذبيح 181
37 مولد إسحاق 185
38 بناء البيت العتيق 187
39 ذكر ثناء الله ورسوله الكريم على عبده وخليله إبراهيم 191
40 قصره في الجنة 199
41 صفة إبراهيم عليه السلام 200
42 وفاة إبراهيم وما قيل في عمره 200
43 ذكر أولاد إبراهيم الخليل 202
44 قصة مدين قوم شعيب عليه السلام 212
45 باب ذرية إبراهيم 220
46 إسماعيل عليه السلام 220
47 إسحاق بن إبراهيم عليهما الصلاة والتسليم 222
48 ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل 227
49 قصة نبي الله أيوب 254
50 قصة ذي الكفل 259
51 باب ذكر أمم أهلكوا بعامة 261
52 قصة قوم يس وهم أصحاب القرية 264
53 قصة يونس 267
54 فضل يونس 272
55 قصة موسى الكليم 273
56 فصل 296
57 هلاك فرعون وجنوده 309
58 امر بني إسرائيل بعد هلاك فرعون 316
59 دخول بني إسرائيل التيه وما فيه من الأمور العجيبة 323
60 سؤال الرؤية 327
61 قصة عبادتهم العجل في غيبة كليم الله عنهم 330
62 حديث آخر بمعنى ما ذكره ابن حبان 338
63 قصة بقرة بني إسرائيل 339
64 قصة موسى والخضر عليهما السلام 341
65 حديث الفتون المتضمن قصة موسى مفصلا من أولها إلى آخرها 347
66 بناء قبة الزمان 356
67 قصة قارون مع موسى عليه السلام 358
68 باب فضائل موسى عليه السلام وشمائله وصفاته ووفاته 362
69 حجته عليه السلام إلى البيت العتيق 366
70 وفاته عليه السلام 367
71 نبوة يوشع وقيامه بأعباء بني إسرائيل بعد موسى وهارون (الأسباط - بلعام - وفاة موسى وهارون - فتح أريحا) 370
72 قصتا الخضر وإلياس عليهما السلام 377
73 ذكر الاختلاف في اسم الخضر ونسبه وزمن وجوده ونبوته، وحياته إلى الآن، مفصلا 378
74 وأما الياس عليه السلام 391