البداية والنهاية - ابن كثير - ج ١ - الصفحة ١٨٦
(فبشرناها بإسحاق ومن وراء اسحق يعقوب) أي بشرتها الملائكة بذلك (فأقبلت امرأته في صرة) أي في صرخة (فصكت وجهها) [الذاريات: 29] أي كما يفعل النساء عند التعجب (وقالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا) [هود: 72] أي كيف يلد مثلي وأنا كبيرة وعقيم أيضا وهذا بعلي - أي زوجي - شيخا تعجبت من وجود ولد والحالة هذه. ولهذا قالت (إن هذا لشئ عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد) [هود: 72 - 73] وكذلك تعجب إبراهيم عليه السلام استبشارا بهذه البشارة وتثبيتا لها وفرحا بها (قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون. قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين) [الحجر: 54 55] أكدوا الخبر بهذه البشارة وقرروه معه فبشروهما (بغلام عليم) [الحجر: 53]. وهو اسحق وأخوه إسماعيل غلام حليم مناسب لمقامه وصبره وهكذا وصفه ربه بصدق الوعد والصبر. وقال في الآية الأخرى (فبشرناها بإسحاق ومن وراء اسحق يعقوب) وهذا مما استدل به محمد بن كعب القرظي وغيره على أن الذبيح هو إسماعيل وأن اسحق لا يجوز أن يؤمر بذبحه بعد أن وقعت البشارة بوجوده ووجود ولده يعقوب المشتق من العقب من بعده.
وعند أهل الكتاب أنه أحضر مع العجل الحنيذ، وهو المشوي (1)، رغيفا من مكة فيه ثلاثة أكيال وسمن ولبن. وعندهم أنهم أكلوا، وهذا غلط محض * وقيل كانوا يودون (2) أنهم يأكلون والطعام يتلاشى في الهواء. وعندهم أن الله تعالى قال لإبراهيم أما سارا امرأتك فلا يدعى اسمها سارا ولكن اسمها سارة وأبارك عليها وأعطيك منها ابنا وأباركه ويكون الشعوب وملوك الشعوب منه، فخر إبراهيم على وجهه - يعني ساجدا - وضحك قائلا في نفسه أبعد مائة سنة (3) يولد لي غلام أو سارة تلد وقد أتت عليها تسعون سنة. وقال إبراهيم لله تعالى ليت إسماعيل يعيش قدامك فقال الله لإبراهيم بحقي ان امرأتك سارة تلد لك غلاما وتدعو اسمه إسحاق إلى مثل هذا الحين من قابل وأوثقه ميثاقي إلى الدهر ولخلفه من بعده وقد استجبت لك في إسماعيل وباركت عليه وكبرته ونميته جدا وكثيرا ويولد له أثنا عشر عظيما وأجعله رئيسا لشعب عظيم * وقد تكلمنا على هذا بما تقدم والله أعلم. فقوله تعالى (فبشرناها بإسحاق ومن وراء اسحق يعقوب) دليل على أنها تستمتع بوجود ولدها إسحاق ثم من بعده بولد ولده يعقوب أي يولد في حياتهما لتقر أعينهما به كما قرت بولده. ولو لم يرد هذا لم يكن لذكر يعقوب وتخصيص التنصيص عليه من دون سائر نسل إسحاق فائدة ولما عين بالذكر دل على أنهما يتمتعان به ويسران بولده كما سرا بمولد أبيه من قبله وقال تعالى (ووهبنا له اسحق ويعقوب كلا هدينا) [الانعام: 84] وقال تعالى (فلما اعتزلهم وما

(1) قال الطبري: التحناذ: الانضاج.
(2) كذا في النسخ المطبوعة يودون; وما في قصص ابن كثير يرون وهو مناسب أكثر.
(3) في المسعودي: عشرين ومائة سنة وفي الطبري 120 سنة.
(١٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المنهاج في تأليف الكتاب 5
2 فصل 9
3 فصل 10
4 وأما الكرسي 14
5 ذكر اللوح المحفوظ 15
6 ما ورد في خلق السماوات والأرض وما بينهما 16
7 ما جاء في سبع أرضين 20
8 فصل في البحار والأنهار 23
9 فصل 29
10 ذكر ما يتعلق بخلق السماوات وما فيهن من الآيات 30
11 أ - الاجماع على أن السماوات مستديرة ب - حديث سب الدهر ج - اليونانيون ودمشق د - هاروت وماروت المجرة وقوس قزح 40
12 باب ذكر خلق الملائكة وصفاتهم 41
13 فصل 52
14 فصل 60
15 باب خلق الجان وقصة الشيطان 61
16 باب خلق آدم عليه السلام 74
17 احتجاج آدم وموسى عليهما السلام 91
18 الأحاديث الواردة في خلق آدم 95
19 قصة قابيل وهابيل 103
20 وفاة آدم ووصيته إلى ابنه شيث 109
21 إدريس عليه السلام 111
22 قصة نوح عليه السلام 133
23 ذكر شئ من أخبار نوح عليه السلام 133
24 صومه عليه السلام 135
25 حجه عليه السلام 135
26 وصيته لولده 136
27 قصة هود عليه السلام 137
28 قصة صالح نبي ثمود عليه السلام 150
29 ذكر أبي رغال من بني ثمود 158
30 مرور النبي بوادي الحجر من أرض ثمود عام تبوك 159
31 قصة إبراهيم خليل الرحمن 160
32 ذكر مناظرة إبراهيم الخليل مع من ادعى الربوبية وهو أحد العبيد الضعفاء 170
33 هجرة الخليل إلى بلاد الشام ثم الديار المصرية واستقراره في الأرض المقدسة 172
34 ذكر مولد إسماعيل من هاجر 176
35 ذكر مهاجرة إبراهيم بابنه إسماعيل وأمه إلى جبل فاران وهي أرض مكة وبنائه البيت العتيق 176
36 قصة الذبيح 181
37 مولد إسحاق 185
38 بناء البيت العتيق 187
39 ذكر ثناء الله ورسوله الكريم على عبده وخليله إبراهيم 191
40 قصره في الجنة 199
41 صفة إبراهيم عليه السلام 200
42 وفاة إبراهيم وما قيل في عمره 200
43 ذكر أولاد إبراهيم الخليل 202
44 قصة مدين قوم شعيب عليه السلام 212
45 باب ذرية إبراهيم 220
46 إسماعيل عليه السلام 220
47 إسحاق بن إبراهيم عليهما الصلاة والتسليم 222
48 ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل 227
49 قصة نبي الله أيوب 254
50 قصة ذي الكفل 259
51 باب ذكر أمم أهلكوا بعامة 261
52 قصة قوم يس وهم أصحاب القرية 264
53 قصة يونس 267
54 فضل يونس 272
55 قصة موسى الكليم 273
56 فصل 296
57 هلاك فرعون وجنوده 309
58 امر بني إسرائيل بعد هلاك فرعون 316
59 دخول بني إسرائيل التيه وما فيه من الأمور العجيبة 323
60 سؤال الرؤية 327
61 قصة عبادتهم العجل في غيبة كليم الله عنهم 330
62 حديث آخر بمعنى ما ذكره ابن حبان 338
63 قصة بقرة بني إسرائيل 339
64 قصة موسى والخضر عليهما السلام 341
65 حديث الفتون المتضمن قصة موسى مفصلا من أولها إلى آخرها 347
66 بناء قبة الزمان 356
67 قصة قارون مع موسى عليه السلام 358
68 باب فضائل موسى عليه السلام وشمائله وصفاته ووفاته 362
69 حجته عليه السلام إلى البيت العتيق 366
70 وفاته عليه السلام 367
71 نبوة يوشع وقيامه بأعباء بني إسرائيل بعد موسى وهارون (الأسباط - بلعام - وفاة موسى وهارون - فتح أريحا) 370
72 قصتا الخضر وإلياس عليهما السلام 377
73 ذكر الاختلاف في اسم الخضر ونسبه وزمن وجوده ونبوته، وحياته إلى الآن، مفصلا 378
74 وأما الياس عليه السلام 391