(فبشرناها بإسحاق ومن وراء اسحق يعقوب) أي بشرتها الملائكة بذلك (فأقبلت امرأته في صرة) أي في صرخة (فصكت وجهها) [الذاريات: 29] أي كما يفعل النساء عند التعجب (وقالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا) [هود: 72] أي كيف يلد مثلي وأنا كبيرة وعقيم أيضا وهذا بعلي - أي زوجي - شيخا تعجبت من وجود ولد والحالة هذه. ولهذا قالت (إن هذا لشئ عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد) [هود: 72 - 73] وكذلك تعجب إبراهيم عليه السلام استبشارا بهذه البشارة وتثبيتا لها وفرحا بها (قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون. قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين) [الحجر: 54 55] أكدوا الخبر بهذه البشارة وقرروه معه فبشروهما (بغلام عليم) [الحجر: 53]. وهو اسحق وأخوه إسماعيل غلام حليم مناسب لمقامه وصبره وهكذا وصفه ربه بصدق الوعد والصبر. وقال في الآية الأخرى (فبشرناها بإسحاق ومن وراء اسحق يعقوب) وهذا مما استدل به محمد بن كعب القرظي وغيره على أن الذبيح هو إسماعيل وأن اسحق لا يجوز أن يؤمر بذبحه بعد أن وقعت البشارة بوجوده ووجود ولده يعقوب المشتق من العقب من بعده.
وعند أهل الكتاب أنه أحضر مع العجل الحنيذ، وهو المشوي (1)، رغيفا من مكة فيه ثلاثة أكيال وسمن ولبن. وعندهم أنهم أكلوا، وهذا غلط محض * وقيل كانوا يودون (2) أنهم يأكلون والطعام يتلاشى في الهواء. وعندهم أن الله تعالى قال لإبراهيم أما سارا امرأتك فلا يدعى اسمها سارا ولكن اسمها سارة وأبارك عليها وأعطيك منها ابنا وأباركه ويكون الشعوب وملوك الشعوب منه، فخر إبراهيم على وجهه - يعني ساجدا - وضحك قائلا في نفسه أبعد مائة سنة (3) يولد لي غلام أو سارة تلد وقد أتت عليها تسعون سنة. وقال إبراهيم لله تعالى ليت إسماعيل يعيش قدامك فقال الله لإبراهيم بحقي ان امرأتك سارة تلد لك غلاما وتدعو اسمه إسحاق إلى مثل هذا الحين من قابل وأوثقه ميثاقي إلى الدهر ولخلفه من بعده وقد استجبت لك في إسماعيل وباركت عليه وكبرته ونميته جدا وكثيرا ويولد له أثنا عشر عظيما وأجعله رئيسا لشعب عظيم * وقد تكلمنا على هذا بما تقدم والله أعلم. فقوله تعالى (فبشرناها بإسحاق ومن وراء اسحق يعقوب) دليل على أنها تستمتع بوجود ولدها إسحاق ثم من بعده بولد ولده يعقوب أي يولد في حياتهما لتقر أعينهما به كما قرت بولده. ولو لم يرد هذا لم يكن لذكر يعقوب وتخصيص التنصيص عليه من دون سائر نسل إسحاق فائدة ولما عين بالذكر دل على أنهما يتمتعان به ويسران بولده كما سرا بمولد أبيه من قبله وقال تعالى (ووهبنا له اسحق ويعقوب كلا هدينا) [الانعام: 84] وقال تعالى (فلما اعتزلهم وما