قواده وجنده والناس كلهم الخضرة، فأقام جمعة، ثم نزعها، وأعاد لباس السواد.
وتغيب إبراهيم بن المهدي، فلم يدر أين هو، وخرج من منزله، ومعه عبد الله بن صاعد كاتبه، وامرأة من أهله، فلما صار في الطريق قال لعبد الله ابن صاعد: ارجع إلى أمي فسلها أن تدفع الجوهر الذي عندها! فرجع عبد الله، ومضى هو، فخفي موضعه، وهرب الفضل بن الربيع إلى البصرة، فاستتر عند يزيد بن المنجاب المهلبي، وأمر المأمون أن يقبض ضياعه وأمواله وعقاراته، ثم صار إلى باب المأمون طالبا للأمان، وقد كان بلغ المأمون أنه مات، وشهد عنده بذلك جماعة، فلما قيل للمأمون: هذا الفضل بن الربيع! قال: إن كان بعث من الآخرة، فقد بعث الرشيد معه. ثم أدخله، فأعطاه الأمان، ومن عليه وأحضره ليلة فقال: هبك تعتذر في محمد بأنه كانت له في عنقك بيعة من الرشيد، فما عذرك في ابن شكلة، وإنما محله محل المغنين والسفهاء، إذ قويت عزمه على ما خرج إليه من خلعي بعد أن صارت بيعتي في عنقك؟
فقال: يا أمير المؤمنين! ما أجد قلبي مكانه، وقد عظم جرمي عن الاعتذار، وجل ذنبي عن الإقالة، وما أرجو الحياة إلا من سعة عفوك، فهب دمي لحرمتي بآبائك! فأمسك عنه ورد عليه ضيعة من ضياعه مبلغ مالها ثلاثمائة ألف درهم وستون ألفا، قدرها لقوته وقوت عياله.
وأنزل المأمون محمد بن صالح بن المنصور دار الفضل بن الربيع، وزوجه بخديجة ابنة الرشيد، وأمر له بألفي ألف درهم مكافأة على ما كان من مسارعته إلى بيعته وطاعته، والامتناع من بيعة إبراهيم، وأعفاه من الركوب إلى بابه وإلى دار العامة، فكان يركب مكانه كاتبه جعفر بن وهب، وزوج محمد بن الرضى ابنته أم الفضل، وأمر له بألفي ألف درهم، وقال: إني أحببت أن أكون جدا لامرئ ولده رسول الله وعلي بن أبي طالب، فلم تلد منه، وولى صالح ابن الرشيد البصرة، فاستخلف أبا الرازي محمد بن عبد الحميد وولى أبا عيسى