فوضع بين يديه، وأذن للناس فجعلوا يدخلون، فينالون من إبراهيم وأخيه وأهله، حتى دخل جعفر بن حنظلة البهراني، فقال: أعظم الله أجرك، يا أمير المؤمنين، في ابن عمك، وغفر له ما فرط فيه من حقك! فسر بذلك أبو جعفر، وقال: أبا خالد، مرحبا وأهلا، هاهنا، فعلم الناس أنه قد سرته مقالته، فقالوا مثل قوله.
وأتاه الحسن بن زيد، فعرض عليه الرأس، فلما رآه استنقع لونه وتغير وجهه، فقال: والله، يا أمير المؤمنين، لقد قتلته صواما قواما، وما كنت أحب أن تبوء بإثمه. فقال له رجل من أهله: كأنك تزري على أمير المؤمنين في قتله؟ فقال: كأنك أردت مني أن أكذب عليه وقد صار إلى الله؟ فقال أبو جعفر: والله ما كنت أنتظر إلا أن يدخل صاحبك من ذلك الباب، فأدعو بك، فأضرب عنقك وأخرج من الباب الآخر. فقال له: أو كنت أسبقك إلى ذلك.
وانصرف أبو جعفر بعد قتل إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن بثلاثة أشهر، فنزل مدينة بغداد نزول مستوطن في شهر ربيع الأول سنة 146، وكان ذلك من شهور العجم في تموز، وأشخص المهدي إلى خراسان عاملا عليها، ومعه وجوه الجند والصحابة، فاجتمع قواد خراسان إلى أبي جعفر، وذكروا له فعال المهدي في نبل أخلاقه، ومدحوه، وسألوه أن يصير إليه تولية العهد من بعده، فكتب إلى عيسى بن موسى، وهو بالكوفة، يعلمه ما قد وقع بقلوب أهل خراسان وغيرهم من هذا الامر، وكان عيسى بن موسى يقول:
إن له ولاية العهد بعد أبي جعفر، فلما ورد عليه كتاب أبي جعفر بما اجتمع عليه القواد وأهل خراسان من تصيير ولاية العهد من بعده للمهدي، وأشار عليه بأن يسبق إلى ذلك، كتب إليه عيسى يعظم عليه هذا الامر، ويذكر له ما في نكث العهود ونقض الايمان، وانه لا يأمن أن يفعل الناس هذا في بيعته وبيعة ابنه، وجرت بينهما مراسلات.
وقدم عيسى بغداد، فوثب به الجند يوما بعد يوم، وصاروا إلى بابه حتى خاف على نفسه، فلما رأى ذلك رضي وسلم، فبايع المنصور بولاية العهد