وجرير بن عبد الله البجلي، ونفر معهما من الشيعة، فلحقوه، فعظموا عليه الخطب، وقالوا له: إن الامر لم يبلغ حيث تظن، فشاور مالك بن الهيثم، وكان خليفته، وقال: ما ترى؟ قال: أرى أن تصير إلى خراسان، فتستعتب الرجل منها، وتكتب إليه منها سمعك وطاعتك، فإذا فعلت ذلك لم يلحقك لوم، وإلا فهو آخر عهدك بالدنيا إن وقعت عينه عليك. فما زال رسل أبي جعفر حتى فتلوه عن رأيه، وأقبل نحو العراق، فلما جاز عقبة حلوان قال لمالك بن الهيثم: ما الرأي؟ قال: الرأي تركته وراء العقبة. فقال: إني والله لا أقتل إلا بأرض الروم.
وقدم على أبي جعفر وهو نازل برومية في المضارب، فقال له: كدت أن تفذ قبل أن أفضي إليك بما أحتاج إليه. فمكث يختلف إليه أياما، ثم أتاه يوما، وقد هيأ له أبو جعفر عثمان بن نهيك، وكان على حرسه، في عدة، وهم: شبيب بن واج، وأبو حنيفة، وتقدم إلى عثمان، فقال: إذا علا صوتي وصفقت بيدي فاقتلوا العبد.
ودخل أبو مسلم، فأجلس في الحجرة، وقيل له: أمير المؤمنين على شغل.
فجلس مليا، ثم أذن له، وقيل له: انزع سيفك! فقال: ولم؟ قيل: وما عليك؟ فلم يزالوا به حتى نزع سيفه، ثم دخل وليس في البيت إلا وسادة، فجلس عليها، ثم قال: يا أمير المؤمنين فعل بي ما لم يفعل بأحد، أخذ سيفي عن عاتقي. قال: ومن فعل بك هذا، قبحه الله؟ فأقبل أبو مسلم يتكلم، فقال له: يا ابن اللخناء! إنك لمستعظم غير العظيم، ألست الكاتب إلي تبدأ باسمك على اسمي؟ ألست الذي كتبت إلي تخطب عمتي آمنة بنت علي، وتزعم أنك من ولد سليط بن عبد الله؟! ألست الفاعل كذا والفاعل كذا؟
وجعل يعد عليه أمورا، فلما رأى أبو مسلم ما قد دخله قال: يا أمير المؤمنين إن قدري أصغر من أن يدخلك كل ما أرى. فعلا صوت أبي جعفر، وصفق بيديه، فخرج القوم فضربوه بأسيافهم، فصاح: أوه، ألا مغيث، ألا ناصر!