ولما فتح الديبل، وكانت أعظم مدائنهم، خضع له أهل البلدان، فسار من الديبل إلى النيرون، فصالحهم، وكتب إلى الحجاج يستأذنه في التقدم، فكتب إليه: أن سر، فأنت أمير على ما فتحته! وكتب إلى قتيبة بن مسلم عامل خراسان: أيكما سبق إلى الصين، فهو عامل عليها، وعلى صاحبها، فمضى محمد ابن القاسم، وجعل لا يمر ببلد إلا غلب عليه، ولا مدينة إلا فتحها صلحا أو عنوة، فعبر نهر السند، وهو دون مهران، وسار إلى سهبان ففتحها، ثم سار نحو شط مهران، فلما بلغ داهر ملك السند مكانه وجه إليه جيشا عظيما، فلقي محمد بن القاسم ذلك الجيش فهزمهم، وزحف إليه داهر، فأقام مواقفا له عدة شهور، وبينا هم في تلك المواقفة زاحفه داهر، وهو على الفيل، فاشتدت بينهما الحرب، وأخذت من الفريقين، وعطش الفيل الذي كان داهر عليه، فغلب فياله، فترجل، فنزل داهر فقاتل في الأرض حتى قتل، وانهزم جيشه، وفتح المسلمون، وكتب محمد إلى الحجاج بالفتح، وبعث برأس داهر إليه.
ومضى في بلاد السند ففتح بلدا بلدا، ومدينة مدينة، حتى أتى الرور، وهي من أعظم مدائن السند، فحاصرهم حصارا شديدا، وهم لا يعلمون أن داهر قد قتل، فلما أملهم بعث إليهم محمد بن القاسم بامرأة داهر، فقالت لهم: إن الملك قد قتل، فاطلبوا الأمان، فطلبوه، ونزلوا على حكم محمد، وفتحوا له باب المدينة، فدخلها، ثم استخلف فيها، ومضى يقطع البلاد، ويفتح مدينة مدينة، ثم كتب إليه الحجاج: إني قد كتبت إلى أمير المؤمنين الوليد أضمن له أن أرد إلى بيت المال نظير ما أنفقت، فأخرجني من ضماني!
فحمل إليه أكثر مما أنفق.
وأقام محمد بن القاسم في بلاد السند حتى توفي الوليد، وولي سليمان بن عبد الملك، وكان لمحمد بن القاسم، في الوقت الذي غزا فيه بلاد السند والهند، وقاد الجيوش وفتح الفتوح، خمس عشرة سنة، فقال زياد الأعجم:
إن الشجاعة والسماحة والندى * لمحمد بن القاسم بن محمد