إليه الشعبي، فأشخصه إليه فآنسه وبره، وأقام عنده أياما، ثم قال: إني آتمنك على شئ لم آتمن عليه أحدا. إنه قد بدا لي أن أبايع للوليد بولاية العهد بعدي، فإذا أتيت عبد العزيز، فزين له أن يخلع نفسه من ولاية العهد، ومصر له طعمة. قال الشعبي: فأتيت عبد العزيز، فما رأيت ملكا كان أسمع أخلاقا منه، فإني يوما خال به أحدثه إذ قلت له: والله، أصلح الله الأمير، إن رأيت ملكا أكمل، ولا نعمة أنضر، ولا عزا أتم مما أنت فيه، ولقد رأيت عبد الملك طويل النصب، كثير التعب، قليل الراحة، دائم الروعة، إلى ما يتحمل من أمر الأمة، ولوددت والله أنهم أجابوك إلى أن يصيروا مصر لك طعمة، ويصيروا عهدهم إلى من أحبوا، فقال: ومن لي بذلك؟ فلما عرفت ما عنده انصرفت إلى عبد الملك، فأخبرته الخبر، فخلع عبد الملك أخاه من ولاية العهد، وولى ابنه الوليد، ثم ابنه سليمان من بعد الوليد.
وقيل إن عبد الملك لم يخلعه، ولكنه توفي في تلك المدة التي هم بخلعه فيها، وقيل إن عبد العزيز سقي سما، وكان ذلك في سنة 85.
وولى هشام بن إسماعيل المخزومي المدينة، فضرب سعيد بن المسيب ستين سوطا ظلما وعدوانا، وطاف به، فكتب إليه عبد الملك يلومه، وساءت سيرة هشام بن إسماعيل، وأظهر العداوة لآل رسول الله.
وكان الغالب على عبد الملك روح بن زنباع الجذامي، وعلى شرطته يزيد ابن أبي كبشة السكسكي، ثم عزله واستعمل عبد الله بن يزيد الحكمي، وكان على حرسه أبو عياش الكهاني، وبعده أبو الزعيزعة مولاه، وجمع العراقين للحجاج، ومصر والمغرب لعبد العزيز بن مروان، ثم لابنه عبد الله ابن عبد الملك.
وكانت لعبد الملك رجلة، ودهاء، وعلم، إلا أنه كان مبخلا، فلما حضرته الوفاة جمع ولده، فأوصاهم بالاجماع والألفة وترك التباغي. ثم قال:
يا وليد. إذا أنا مت فشمر وأتزر. والبس جلد النمر، ثم ادع الناس إلى