ولما كان بعض هؤلاء الأطفال قد تشرف بلقاء النبي صلى الله عليه وسلم دون سن التمييز، فلا يثبت له سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعتبر رواية مرسلة. ومن هنا فان كثيرا من العلماء اعتبروهم من التابعين. قال العراقي:
" فاما التمييز فظاهر كلامهم اشتراطه (أي لثبوت الصحبة كما هو موجود في كلام يحيى بن معين وأبى زرعة وأبى حاتم وأبى داود وابن عبد البر وغيرهم.
وهم جماعة أتى بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهم أطفال فحنكهم ومسح وجوههم، أو تفل في أفواههم، فلم يكتبوا لهم صحبة، كمحمد بن حاطب بن الحارث..
الخ.
وقد شدد بعضهم فاشترط البلوغ لثبوت الصحبة، وهذا يعنى أن الذين لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم دون سن البلوغ فلا يعتبرون من الصحابة. وقد حكاه الواقدي عن أهل العلم فقال:
" رأيت أهل العلم يقولون: كل من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أدرك الحلم فأسلم وعقل أمر الدين ورضيه، فهو عندنا ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة من نهار ".
قال العراقي: والصحيح أن البلوغ ليس شرطا في حد الصحابي وإلا لخرج بذلك من أجمع العلماء على عدهم في الصحابة، كعبد الله بن الزبير، والحسن، والحسين، رضي الله عنهم.
والذي يظهر من صنيع الامام العجلي إنه مع الذين لا يعتبرون الرؤية في الصغر كافية لاثبات الصحبة بل يتشددون في ذلك. فكثيرا ما نرى ناسا اختلف العلماء في صحبتهم، ويأتي العجلي فيبت بكونهم تابعين. وهكذا الامر فيمن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صغره فالعجلي يجزم بكونهم تابعين. وعلى سبيل المثال:
محمود بن الربيع الأنصاري الذي ثبت في الصحيحين، أنه عقل رسول الله صلى الله عليه وسلم مجة مجها من دلو في دارهم وهو يومئذ عمره خمس سنين.