النقد، فمنهم من كان يشدد ويقيس الرواة على مقاييس صعبة ثم يحكم بعدالته وضبطه ومنهم من كان يتساهل ويتسامح.
وهذا لا يخلو من فائدة علمية، لأننا إذا وجدنا أن أحدا من الأئمة المتشددين قد وثق رجلا، فان هذا يعنى أن ذلك الرجل قد قيس باشد مقابيس النقد، وبذلك فقد تجاوز القنطرة، ومثل هذا يعض على حديثه بالنواجذ. وإذا وجدنا رجلا ضعفه أحد الأئمة المتساهلين، فان هذا يعنى إنه لم يستطع إن ينجح حتى على الموازين السهلة، فمثل هذا يحذر من روايته.
قال الامام السخاوي:
" وقد قسم الذهبي من تكلم في الرجال أقساما:
- فقسم تكلموا في سائر الرواة، كابن معين وأبى حاتم.
- وقم تكلموا في كثير ن الرواة، كمالك وشعبة.
- وقسم تكلموا في الرجل بعد الرجل، كابن عيينة والشافعي.
قال: وهم الكل على ثلاثة أقسام أيضا:
1 - قسم منهم متعنت في التوثيق، متثبت في التعديل، يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث. فهذا إذا وثق شخصا فعض على قوله بنواجذك وتمسك بتوثيقه، وإذا ضعف رجلا فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه.
فان وافقه ولم يوثق ذلك الرجل أحد من الحذاق فهو ضعيف. وإن وثقه أحد فهذا هو الذي قالوا لا يقبل فيه الجرح إلا مفسرا. يعنى لا يكفي فيه قول ابن معين مثلا: هو ضعيف من غير بيان لسبب ضعفه، ثم يجئ البخاري وغيره يوثقه.
ومن ثم قال الذهبي وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال: " لم يجتمع اثنان - أي من طبقة واحدة - من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف ولا على تضعيف ثقة ".
2 - وقسم منهم متسمح كالترمذي والحاكم.
3 - وقسم معتدل كأحمد والدارقطني وابن عدي.