لكن المعروف في الاخبار: أن الذي رمي به من فوق طمار هو مسلم بن عقيل، لا هاني بن عروة، وقد روي ذلك أيضا في عبد الله بن يقطر، وكان الحديث غير منقول على وجهه.
وأما رواية القدح، فقد ذكر عند قوله - عليه السلام - في باب المختار من كلماته القصار -: " آلة الرئاسة سعة الصدر ": أن معاوية بن أبي سفيان كان واسع الصدر، كثير الاحتمال، وبذلك نال من الدنيا ما نال وبلغ منها ما بلغ وإن كان مذموما في باب الدين، وأورد له في ذلك حكايتين:
الأولى -: " إن أهل الكوفة وفدوا على معاوية حين خطب لابنه يزيد بالعهد بعده، وفي أهل الكوفة هاني بن عروة المرادي - قال -:
وكان سيدا في قومه، فقال - يوما - في مسجد دمشق - والناس حوله -:
العجب لمعاوية يريد أن يقسرنا على بيعة ابنه يزيد - وحاله حاله - وما ذاك والله بكائن -، وكان في القوم غلام من قريش، فتحمل الكلمة إلى معاوية، فقال له: معاوية أنت سمعت هانيا يقولها؟ قال: نعم قال:
فاخرج فات حلقته، فإذا خف الناس عنه فقل: أيها الشيخ، قد وصلت كلمتك إلى معاوية، ولست في زمن أبي بكر وعمر، ولا أحب أن تتكلم بهذا الكلام فإنهم بنو أمية، وقد عرفت جرأتهم وإقدامهم ولا يدعني إلى هذا القول إلا النصيحة لك والاشفاق عليك، فانظر ماذا يقول، فاتني به. فاقبل الفتى إلى مجلس هاني، فلما خف من عنده دنا منه فقص عليه الكلام وأخرجه مخرج النصيحة له، فقال هاني: والله يا بن أخي ما بلغت نصيحتك كلما اسمع، وإن هذا الكلام لكلام معاوية أعرفه، فقال الفتى وما أنا ومعاوية والله ما يعرفني، فقال: ولا عليك، إذا لقيته فقل له:
يقول لك هاني: والله ما إلى ذلك من سبيل، انهض يا بن أخي راشدا فقام الفتى فدخل على معاوية فاعلمه، فقال: نستعين بالله عليه