الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٥٩٣
الأرض، فصح أنه لا معنى لتبدل الزمان، ولا لتبدل المكان، ولا لتغير الأحوال، وأن ما ثبت فهو ثابت أبدا في كل زمان وفي كل مكان، وعلى كل حال، حتى يأتي نص ينقله عن حكمه في زمان آخر، أو مكان آخر، أو حال أخرى.
وكذلك إن جاء نص بوجوب حكم في زمان ما، أو في مكان، أو في حال ما وبين لنا ذلك في النص، وجب ألا يتعدى النص. فلا يلزم ذلك الحكم حينئذ في غير ذلك الزمان، ولا في غير ذلك المكان ولا في غير تلك الحال قال تعالى:
* (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) * وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يدر كم صلى، أن يصلي حتى يكون على يقين من التمام، وعلى شك من الزيادة، لأنه على يقين من أنه لم يصل ما لزمه، فعليه أن يصليه وهذا هو نص قولنا.
وأما إذا تبدل الاسم فقد تبدل الحكم بلا شك، كالخمر يتخلل أو يخلل لأنه إنما حرمت الخمر، والخل ليس خمرا، وكالعذرة تصير ترابا، فقد سقط حكمها، وكلبن الخنزير والحمر والميتات يأكلها الدجاج ويرتضعه الجدي، فقد بطل التحريم إذا انتقل اسم الميتة واللبن والخمر، ومن حرم ما لا يقع عليه الاسم الذي به جاء التحريم، فلا فرق، بينه وبين من أحل بعض ما وقع عليه الاسم الذي به جاء التحريم، وكلاهما متعد لحدود الله تعالى: * (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) * وهذا حكم جامع لكل ما اختلف فيه، فمن التزمه فقد فاز ومن خالفه فقد هلك وأهلك، وبالله تعالى التوفيق. وكل احتياط أدى إلى الزيادة في الدين ما لم يأذن به الله تعالى، أو إلى النقص منه أو إلى تبديل شئ منه - فليس احتياطا، ولا هو خيرا، بل هو هلكة وضلال وشرع لم يأذن به الله تعالى والاحتياط كله لزوم القرآن والسنة.
وأما العقود والعهود والشروط والوعد، فإن أصل الاختلاف فيها على قولين لا يخرج الحق عن أحدهما: وما عداهما فتخليط ومناقضات لا يستقر لقائلها قول على حقيقة، فأحد القولين المذكورين: إما أنها كلها لازم حق إلا ما أبطله منها نص. والثاني:
أنها كلها باطل غير لازم إلا ما أوجبه منها نص، أما ما أباحه منها نص، فكان من حجة من قال: إنها كلها حق لازم إلا ما أبطله منها نص، أن قال: قال الله عز وجل:
(٥٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « 589 590 591 592 593 594 595 596 597 598 599 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722