في السمك على النهج المحكي قيل كان ارتفاعه مائتي ذراع وعرضه خمسين ذراعا وقرئ سوى من التسوية وسووي على البناء للمجهول «قال» للعملة «انفخوا» أي بالكيران في الحديد المبني ففعلوا «حتى إذا جعله» أي المنفوخ فيه «نارا» أي كالنار في الحرارة والهيئة وإسناد الجعل المذكور إلى ذي القرنين مع أنه فعل الفعلة للتنبيه على أنه العمدة في ذلك وهم بمنزلة الآلة «قال» للذين يتولون أمر النحاس من الإذابة ونحوها «آتوني أفرغ عليه قطرا» أي آتوني قطرا أي نحاسا مذابا أفرغ عليه قطرا فحذف الأول لدلالة الثاني عليه وقرئ بالوصل أي جيئوني كأنه يستدعيهم للإعانة باليد عند الإفراغ وإسناد الإفراغ إلى نفسه للسر الذي وقفت عليه آنفا وكذا الكلام في قوله تعالى ساوى وقوله تعالى أجعل «فما اسطاعوا» بحذف تاء الافتعال تخفيفا وحذرا عن تلاقي المتقاربين وقرئ بالإدغام وفيه جمع بين الساكنين على غير حده وقرئ بقلب السين صادا والفاء فصيحة أي فعلوا ما أمروا به من إيتاء القطر أو الإتيان فأفرغه عليه فاختلط والتصق بعضه ببعض فصار جبلا صلدا فجاء يأجوج ومأجوج فقصدوا أن يعلوه وينقبوه فما استطاعوا «أن يظهروه» أي يعلوه ويرقوا فيه لارتفاعه وملاسته «وما استطاعوا له نقبا» لصلابته وثخانته وهذه معجزة عظيمة لأن تلك الزبر الكثيرة إذا أثرت فيها حرارة النار لا يقدر الحيوان على أن يحوم حولها فضلا عن النفخ فيها إلى أن تكون كالنار أو عن إفراغ القطر عليها فكأنه سبحانه وتعالى صرف تأثير تلك الحرارة العظيمة عن أبدان أولئك المباشرين للأعمال فكان ما كان والله على كل شيء قدير وقيل بناه من الصخور مرتبطا بعضها ببعض بكلاليب من حديد ونحاس مذاب في تجاويفها بحيث لم يبق هناك فرجة أصلا «قال» أي ذو القرنين لمن عنده من أهل تلك الديار وغيرهم «هذا» إشارة إلى السد وقيل إلى تمكينه من بنائه والفضل للمتقدم أي هذا الذي ظهر على يدي وحصل بمباشرتي من السد الذي شأنه ما ذكر من المتانة وصعوبة المنال «رحمة» أي أثر رحمة عظيمة عبر عنه بها مبالغة «من ربي» على كافة العباد لا سيما على مجاوريه وفيه إيذان بأنه ليس من قبيل الآثار الحاصلة بمباشرة الخلق عادة بل هو إحسان إلهي محض وإن ظهر بمباشرتي والتعرض لوصف الربوبية لتربية معنى الرحمة «فإذا جاء وعد ربي» مصدر بمعنى المفعول وهو يوم القيامة لا خروج يأجوج ومأجوج كما قيل إذ لا يساعده النظم الكريم والمراد بمجيئة ما ينتظم مجيئه ومجئ مباديه من خروجهم وخروج الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام ونحو ذلك لا دنو وقوعه فقط كما قيل فإن بعض الأمور التي ستحكى تقع بعد مجيئه حتما «جعله» أي السد المشار إليه مع متانته ورصانته وفيه من الجزالة ما ليس في توجيه الإشارة السابقة إلى التمكين المذكور «دكاء» أي أرضا مستوية وقرئ دكا أي مدكوكا مسوى بالأرض وكل ما انبسط بعد ارتفاع فقد اندك ومنه الجمل الأدك أي المنبسط السنام وهذا الجعل وقت مجيء الوعد بمجيء بعض مباديه وفيه بيان لعظم قدرته عز
(٢٤٦)