الضرورية وأما ما يقال من أن اختلافها في الطباع والهيئات والمناظر ليس إلا بصنع صانع حكيم فمداره ما لو حنا به من حسبان ما ذكر دليلا على إثبات الصانع تعالى وقد عرفت حقيقة الحال فإن إيراد ما يدل على اتصافه سبحانه بما ذكر من صفات الكمال ليس بطريق الاستدلال عليه بل من المقدمات المسلمة جئ به للاستدلال به على ما يقتضيه ضرورة من وحدانيته تعالى واستحالة أن يشاركه شيء في الألوهية (وهو الذي سخر البحر) شروع في تعداد النعم المتعلقة بالبحر إثر تفصيل النعم المتعلقة بالبر حيوانا ونباتا أي جعله بحيث تتمكنون من الانتفاع به بالركوب والغوص والاصطياد (لتأكلوا منه لحما طريا) هو السمك والتعبير عنه باللحم مع كونه حيوانا للتلويح بانحصار الانتفاع به في الأكل ووصفه بالطراوة للإشعار بلطافته والتنبيه على وجوب المسارعة إلى أكله كيلا يتسارع إليه الفساد كما ينبئ عنه جعل البحر مبتدأ أكله وللإيذان بكمال قدرته تعالى في خلقه عذبا طريا في ماء زعاق ومن إطلاق اللحم عليه ذهب مالك والثوري أن من حلف لا يأكل اللحم حنث بأكله والجواب أن مبنى الإيمان العرف ولا ريب في أنه لا يفهم من اللحم عند الإطلاق ولذلك لو أمر خادمه بشراء اللحم فجاء بالسمك لم يكن ممتثلا بالأمر ألا يرى إلى أن الله تعالى سمى الكافر دابة حيث قال إن شر الدواب عند الله الذين كفروا ولا يحنث بركوبه من حلف لا يركب دابة (وتستخرجوا منه حلية) كاللؤلؤ والمرجان (تلبسونها) عبر في مقام الامتنان عن لبس نسائهم بلبسهم لكونهن منهم أو لكون لبسهن لأجلهم (وترى الفلك) السفن (مواخر فيه) جواري فيه مقبلة ومدبرة ومعترضة بريح واحدة تشقه بحيزومها من المخر وهو شق الماء وقيل هو صوت جرى الفلك (ولتبتغوا) عطف على تستخرجوا وما عطف هو عليه وما بينهما اعتراض لتمهيد مبادئ الابتغاء ودفع توهم كونه باستخراج الحلية أو على علة محذوفة أي لتنتفعوا بذلك ولتبتغوا ذكره ابن الأنباري أو متعلقة بفعل محذوف أي وفعل ذلك لتبتغوا (من فضله) من سعة رزقه بركوبها للتجارة (ولعلكم تشكرون) أي تعرفون حقوق نعمه الجليلة فتقومون بأدائها بالطاعة والتوحيد ولعل تخصيص هذه النعمة بالتعقيب بالشكر من حيث إن فيها قطعا لمسافة طويلة مع أحمال ثقيلة في مدة قليلة من غير مزاولة أسباب السفر بل من غير حركة أصلا مع أنها في تضاعيف المهالك وعدم توسيط الفوز بالمطلوب بين الابتغاء والشكر للإيذان باستغنائه عن التصريح به وبحصولهما معا (وألقي في الأرض ورأسي) أي جبالا ثوابت وقد مر تحقيقه في أول سورة الرعد (أن تميد بكم) كراهة أن تميل بكم وتضطرب أو لئلا تميد بكم فإن الأرض قبل أن تخلق فيها الجبال كانت كرة خفيفة بسيطة الطبع وكان من حقها أن تتحرك بالإستدارة كالأفلاك أو تتحرك بأدنى سبب محرك فلما خلقت الجبال تفاوتت حافاتها وتوجهت الجبال
(١٠٣)