كما أن الطعام الصالح للأصحاء يزيد المرضى مرضا «وألقينا بينهم» أي بين اليهود فإن بعضهم جبرية وبعضهم قدرية وبعضهم مرجئة وبعضهم مشبهة «العداوة والبغضاء» فلا يكاد تتوافق قلوبهم ولا تتطابق أقوالهم والجملة مبتدأ مسوقة لإزاحة ما عسى يتوهم من ذكر طغيانهم وكفرهم من الاجتماع على أمر يؤدي إلى الإضرار بالمسلمين قيل العداوة والبغضاء أخص من البغضاء لأن كل عدو مبغض بلا عكس كلي «إلى يوم القيامة» متعلق بألقينا وقيل بالبغضاء «كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله» تصريح بما أشير إليه من عدم وصول غائلة ما هم فيه إلى المسلمين أي كلما أرادوا محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم ورتبوا مباديها وركبوا في ذلك متن كل صعب وذلول ردهم الله تعالى وقهرهم أو كلما أرادوا حرب أحد غلبوا فإنهم لما خالفوا حكم التوراة سلط الله تعالى عليهم بخت نصر ثم أفسدوا فسلط الله عليهم فطرس الرومي ثم أفسدوا فسلط الله عليهم المجوس ثم أفسدوا فسلط الله عليهم المسلمين وللحرب إما صل لأوقدوا أو متعلق بمحذوف وقع صفة لنار أي كائنة للحرب «ويسعون في الأرض فسادا» أي يجتهدون في الكيد للإسلام وأهله وإثارة الشر والفتنة فيما بينهم مما يغاير ما عبر عنه بإيقاد نار الحرب وفسادا إما مفعول له أو في موقع المصدر أي يسعون للفساد أو يسعون سعي فساد «والله لا يحب المفسدين» ولذلك أطفأ ثائرة إفسادهم واللام إما للجنس وهم داخلون فيه دخولا أوليا وإما للعهد ووضع المظهر مقام الضمير للتعليل وبيان كونهم راسخين في الإفساد «ولو أن أهل الكتاب» أي اليهود والنصارى على أن المراد بالكتاب الجنس المنتظم للتوراة والإنجيل وإنما ذكروا بذلك العنوان تأكيدا للتشنيع فإن أهلية الكتاب توجب إيمانهم به وإقامتهم له لا محالة فكفرهم به وعدم إقامتهم له وهم أهله أقبح من كل قبيح وأشنع من كل شنيع فمفعول قوله تعالى «آمنوا» محذوف ثقة بظهوره مما سبق من قوله تعالى هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما انزل من قبل وأن أكثركم فاسقون وما لحق من قوله تعالى ولو أنهم أقاموا التوراة الخ أي ولو أنهم مع صدور ما صدر عنهم من فنون الجنايات قولا وفعلا آمنوا بما نفي عنهم الإيمان به فيندرج فيه فرض إيمانهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وأما إرادة إيمانهم به صلى الله عليه وسلم خاصة فيأباها المقام لأن ما ذكر فيما سبق وما لحق من كفرهم به صلى الله عليه وسلم إنما ذكر مشفوعا بكفرهم بكتابهم أيضا قصدا إلى الإلزام والتبكيت ببيان أن الكفر به صلى الله عليه وسلم مستلزم الكفر بكتابهم فحمل الإيمان ههنا على الإيمان به صلى الله عليه وسلم خاصة مخل بتجاوب أطراف النظم الكريم «واتقوا» ما عددنا من معاصيهم التي من جملتها مخالفة كتابهم «لكفرنا عنهم سيئاتهم» التي اقترفوها وإن كانت في غاية العظم ونهاية الكثرة ولم تؤاخذهم بها «ولأدخلناهم» مع ذلك «جنات النعيم» وتكرير اللام لتأكيد الوعد وفيه تنبيه على كمال عظم ذنوبهم وكثرة معاصيهم وأن الإسلام يجب ما قبله من السيئات وإن جلت وجاوزت كل حد معهود «ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل» بمراعاة
(٥٩)