تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٣ - الصفحة ٤٨
ووصفهم بعنوان الإيمان لحملهم من أول الأمر على الانزجار عما نهوا عنه بقوله عز وجل «لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء» فإن تذكير اتصافهم بضد صفات الفريقين من أقوى الزواجر عن موالاتهما أي لا يتخذ أحد منكم أحدا منهم وليا بمعنى لا تصافوهم ولا تعاشروهم مصافاة الحباب ومعاشرتهم لا بمعنى لا تجعلوهم أولياء لكم حقيقة فإنه أمر ممتنع في نفسه لا يتعلق به النهي «بعضهم أولياء بعض» أي بعض كل فريق من ذينك الفريقين أولياء بعض آخر من ذلك الفريق لا من الفريق الآخر وإنما أوثر الإجمال في البيان تعويلا على ظهور المراد لوضوح انتفاء الموالاة بين فريقي اليهود والنصارى رأسا والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل النهي وتأكيد إيجاب الاجتناب عن المنهي عنه أي بعضهم أولياء بعض متفقون على كلمة واحدة في كل ما يأتون وما يذرون ومن ضرورته إجماع الكل على مضادتكم ومضارتكم بحيث يسومونكم السوء ويبغونكم الغوائل فكيف يتصور بينكم وبينهم موالاة وقوله تعالى «ومن يتولهم منكم فإنه منهم» حكم مستنتج منه فإن انحصار الموالاة فيما بينهم يستدعي كون من يواليهم منهم ضرورة أن الاتحاد في الدين الذي عليه يدور أمر الموالاة حيث لم يكن بكونهم ممن يواليهم من المؤمنين تعين أن يكون ذلك بكون من يواليهم منهم وفيه زجر شديد للمؤمنين عن إظهار صورة الموالاة لهم وإن لم تكن موالاة في الحقيقة وقوله تعالى «إن الله لا يهدي القوم الظالمين» تعليل لكون من يتولاهم منهم أي لا يهديهم إلى الإيمان بل يخليهم وشأنهم فيقعون في الكفر والضلالة وإنما وضع المظهر موضع ضميرهم تنبيها على أن توليهم ظلم لما أنه تعريض لأنفسهم للعذاب الخالد ووضع للشيء في غير موضعه وقوله تعالى «فترى الذين في قلوبهم مرض» بيان لكيفية توليهم وإشعار بسببه وبما يؤول إليه أمرهم والفاء للإيذان بترتبه على عدم الهداية والخطاب إما للرسول صلى الله عليه وسلم بطريق التلوين وإما لكل أحد ممن له أهلية له وفيه مزيد تشنيع للتشنيع أي لا يهديهم بل يذرهم وشأنهم فتراهم الخ وإنما وضع موضع الضمير الموصول ليشار بما في حيز صلته إلى أن ما ارتكبوه من التولي بسبب ما في قلوبهم من مرض النفاق ورخاوة العقد في الدين وقوله تعالى «يسارعون فيهم» حال من الموصول والرؤية بصرية وقيل مفعول ثان والرؤية قلبية والأول هو الأنسب بظهور نفاقهم أي تراهم مسارعين في موالاتهم وإنما قيل فيهم مبالغة في بيان رغبتهم فيها وتهالكهم عليها وإيثار كلمة في على كلمة إلى الدلالة على أنهم مستقرون في الموالاة وإنما مسارعتهم من بعض مراتبها إلى بعض آخر منها كما في قوله تعالى أولئك يسارعون في الخيرات لا أنهم خارجون عنها متوجهون إليها كما في قوله تعالى وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة وقرئ فيرى بياء الغيبة على أن الضمير لله سبحانه وقيل لمن تصح منه الرؤية وقيل الفاعل هو الموصول والمفعول هو الجملة على حذف أن المصدرية والرؤية قلبية أن ويرى القوم الذين في قلوبهم مرض أن يسارعوا فيهم فلما حذفت أن
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 5 - سورة المائدة قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود 2
2 قوله تعالى: ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل. 14
3 قوله تعالى: واتل عليهم بناء بني آدم بالحق. 26
4 قوله تعالى: يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر. 36
5 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء. 47
6 قوله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك. 60
7 (الجزء السابع) قوله تعالى: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا. 71
8 قوله تعالى: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس. 82
9 قوله تعالى: يوم يجمع الله الرسل فيقول ما ذا أجبتم. 93
10 6 _ سورة الأنعام 104
11 قوله تعالى: وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم. 116
12 قوله تعالى: إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله. 129
13 قوله تعالى: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. 143
14 قوله تعالى: وإذا قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة. 151
15 قوله تعالى: إن الله فالق الحب والنوى. 164
16 (الجزء الثامن) قوله تعالى: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة. 174
17 قوله تعالى: لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون. 184
18 قوله تعالى: هو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات. 191
19 قوله تعالى: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا. 197
20 7 - سورة الأعراف قوله تعالى: المص. 209
21 قوله تعالى: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا. 224
22 قوله تعالى: وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. 230
23 قوله تعالى: وإلى عاد أخاهم هودا و قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. 237
24 (الجزء التاسع) قوله تعالى: قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنكما شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا. 248
25 قوله تعالى: وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون. 260
26 قوله تعالى: وواعدنا موسى ثلاثين ليلة و أتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة. 268
27 قوله تعالى: واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة و في الآخرة إنا هدنا إليك. 278
28 قوله تعالى: وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة و ظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه. 289
29 قوله تعالى: هو الذي خلقكم من نفس واحدة و جعل منها زوجها ليسكن إليها. 302