خبر إن والعائد إلى اسمها محذوف أي من آمن منهم وإما في محل النصب على أنه بدل من اسم إن وما عطف عليه والخبر قوله تعالى فلا خوف والفاء كما في قوله عز وعلا إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم الآية فالمعنى على تقدير كون المراد بالذين آمنوا المنافقين وهو الأظهر من أحدث من هذه الطوائف إيمانا خالصا بالمبدأ والمعاد على الوجه اللائق لا كما يزعمه أهل الكتاب فإن ذلك بمعزل من أن يكون إيمانا بهما وعمل عملا صالحا حسبما يقتضيه الإيمان بهما فلا خوف عليهم حين يخاف الكفار العقاب ولا هم يحزنون حين يحزن المقصرون على تضييع العمر وتفويت الثواب والمراد بيان دوام انتفائهما لا بيان انتفاء دوامهما كما يوهمه كون الخبر في الجملة الثانية مضارعا لما مر مرارا لأن النفي وإن دخل على نفس المضارع يفيد الدوام والاستمرار بحسب المقام وأما على تقدير كون المراد بالذين آمنوا مطلق المتدينين بدين الإسلام المخلصين منهم والمنافقين فالمراد بمن آمن من اتصف منهم بالإيمان الخالص بالمبدأ والمعاد على الإطلاق سواء كان بطريق الثبات والدوام عليه كما هو شأن المخلصين أو بطريق إحداثه وإنشائه كما هو حال من عداهم من المنافقين وسائر الطوائف وفائدة التعميم للمخلصين المبالغة في ترغيب الباقين في الإيمان ببيان أن تأخرهم في الاتصاف به غير مخل بكونهم أسوة لأولئك الأقدمين الأعلام وأما ما قيل المعنى من كان منهم في دينه قبل أن ينسخ مصدقا بقلبه بالمبدأ والمعاد عاملا بمقتضى شرعه فمما لا سبيل إليه أصلا كما مر تفصيله في سورة البقرة «لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل» كلام مبتدأ مسوق لبيان بعض آخر من جناياتهم المنادية باستبعاد الإيمان منهم أي بالله لقد أخذنا ميثاقهم بالتوحيد وسائر الشرائع والأحكام المكتوبة عليهم في التوراة «وأرسلنا إليهم رسلا» ذوي عدد كثير وأولي شأن خطير ليقررهم على مرعاة حقوق الميثاق ويطلعوهم على ما يأتون ويذرون في دينهم ويتعهدوهم بالعظة والذكير وقوله تعالى «كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم» جملة شرطية مستأنفة وقعت جوابا عن سؤال نشأ من الأخبار بأخذ الميثاق وإرسال الرسل وجواب الشرط محذوف كأنه قيل فماذا فعلوا بالرسل فقيل كلما جاءهم رسول من أولئك الرسل بما لا تحبه أنفسهم المنهمكة في الغنى والفساد من الأحكام الحقة والشرائع عصوه وعادوه وقوله تعالى «فريقا كذبوا وفريقا يقتلون» جواب مستأنف عن استفسار كيفية ما أظهروه من آثار المخالفة المفهومة من الشرطية على طريقة الإجمال كأنه قيل كيف فعلوا بهم فقيل فريقا منهم كذبوهم من غير أن يتعرضوا لهم بشيء آخر من المضار وفريقا آخر منهم لم يكتفوا بتكذيبهم بل قتلوهم أيضا وإنما أوثر عليه صيغة المضارع على حكاية الحال الماضية لاستحضار صورتها الهائلة للتعجيب منها وللتنبيه على أن ذلك ديدنهم المستمر وللمحافظة على رؤوس الآي الكريمة وتقديم فريقا في الموضعين للاهتمام به وتشويق السامع إلى ما فعلوا به لا للقصر هذا وأما
(٦٣)