االقردة والخنازير وقرئ عبد الطاغوت بالجر عطفا على من بناء على أنه مجرور بتقدير المضاف وقد قيل إن من مجرور على أنه بدل من شر على أحد الوجهين المذكورين في تقدير المضاف وأنت خبير بأن ذلك مع اقتضائه إخلاء النظم الكريم عن المزايا المذكورة بالمرة مما لا سبيل إليه قطعا ضرورة أن المقصود الأصلي ليس مضمون الجملة الاستفهامية بل هو كما مر مقدمة سيقت أمام المقصود لهزؤ المخاطبين وتوجيه أذهانهم تنحو تلقي ما يلقى إليهم عقيبها بجملة خبرية موافقة في الكيفية للسؤال الناشئ عنها وهو المقصود إفادته وعليه يدور ذلك الإلزام والتبكيت حسبما شرح فإذا جعل الموصول بما في حيز صلته من تتمة الجملة الاستفهامية فأين الذي يلقي إليهم عقيبها جوابا عما نشأ منها من السؤال ليحصل به الإلزام والتبكيت وأما الجملة الآنية فبمعزل من صلاحية الجواب كيف لا ولا بد من موافقته في الكيفية للسؤال الناشئ عن الجملة الاستفهامية وقد عرفت أن السؤال الناشئ عنها يستدعي وقوع الشر من تتمة المخبر عنه لا خبرا كما في الجملة المذكورة وسيتضح ذلك مزيد اتضاح بإذن الله تعالى والمراد بالطاغوت العجل وقيل هو الكهنة وكل من أطاعوه في معصية الله عز وجل فيعم الحكم دين النصارى أيضا ويتضح وجه تأخير ذكر عبادته عن العقوبات المذكورة إذ لو قدمت عليها لتوهم اشتراك الفريقين في تلك العقوبات ولما كان مآل ما ذكر بصدد التبكيت أن ما هو شر مما نقموه دينهم أو أن من هو شر من أهل ما نقموه أنفسهم بحسب ما قدر من المضافين وكانت الشرية على كلا الوجهين من تتمة الموضوع غير مقصودة الإثبات لدينهم أو لأنفسهم عقب ذلك بإثباتها لهم على وجه يشعر بعلية ما ذكر من القبائح لثبوتها لهم بجملة مستأنفة مسوقة من جهته سبحانه شهادة عليهم بكمال الشرارة والضلال أو داخله تحت الأمر تأكيدا للإلزام وتشديد للتبكيت فقيل «أولئك شر مكانا» فاسم الإشارة عبارة عمن ذكرت صفاتهم الخبيثة وما فيه من معنى البعيد للإيذان ببعد منزلتهم في الشرارة أي أولئك وقيل شر مكانا أي منصرفا «وأضل عن سواء السبيل» عطف على شر مقرر له أي أكثر ضلالا عن الطريق المستقيم وفيه دلالة على كون دينهم شرا محضا بعيدا عن الحق لأن ما يسلكونه من الطريق دينهم فإذا كانوا أضل كان دينهم ضلالا بينا لا غاية وراءه وصيغة التفضيل في الموضعين للزيادة مطلقا لا بالإضافة إلى من يشاركهم في أصل الشرارة والضلال «وإذا جاؤوكم قالوا آمنا» نزلت في ناس من اليهود كانوا يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويظهرون له الإيمان نفاقا فالخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والجمع للتعظيم أوله مع ما عنده من المسلمين أي إذا جاءوكم أظهروا الإسلام «وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به» أي يخرجون من عندك ملتبسين بالكفر كما دخلوا لم يؤثر فيهم ما سمعوا منك والجملتان حالان من فاعل قالوا وبالكفر وبه حالان من فاعل دخلوا
(٥٦)