أنزل إليهم كتب أنبياء بني إسرائيل كما مر وقيل الكتب الإلهية فإنها بأسرها آمرة بالإيمان لمن صدقته المعجزة ناطقة بوجوب الطاعة له روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن جماعة من اليهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألست تقرأ أن التوراة حق من عند الله تعالى فقال صلى الله عليه وسلم بلى فقالوا فإنا مؤمنون بها ولا نؤمن بغيرها فنزلت وقوله تعالى «وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا» جملة مستأنفة مبينة لشدة شكيمتهم وغلوهم في المكابرة والعناد وعدم إفادة التبليغ نفعا وتصديرها بالقسم لتأكيد مضمونها وتحقيق مدلولها والمراد بالكثير المذكور علماؤهم ورؤساؤهم ونسبة الإنزال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نسبته فيما مر إليهم للإنباء عن انسلاخهم عن تلك النسبة «فلا تأس على القوم الكافرين» أي لا تتأسف ولا تحزن عليهم لإفراطهم في الطغيان والكفر بما تبلغه إليهم فإن غائلته آيلة إليهم وتبعته حائقة بهم لا تتخطاهم وفي المؤمنين مندوحة لك عنهم ووضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالرسوخ في الكفر «إن الذين آمنوا» كلام مستأنف مسوق لترغيب من عدا المذكورين في الإيمان والعمل الصالح أي الذين آمنوا بألسنتهم فقد وهم المنافقون وقيل أعم من أن يواطئها قلوبهم أولا «والذين هادوا» أي دخلوا في اليهودية «والصابئون والنصارى» جمع نصران وقد مر تفصيله في سورة البقرة وقوله تعالى الصابئون رفع على الابتداء وخبره محذوف والنية به التأخر عما في حيز إن والتقدير إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كيت وكيت والصابئون كذلك كقوله فإني وقيار بها لغريب وقوله وإلا فاعلموا أنا وأنتم بغاة ما بقينا في شقاق خلا أنه وسط بين اسم إن وخبرها دلالة على أن الصابئين مع ظهور ضلالهم وزيغهم عن الأديان كلها حيث قبلت توبتهم إن صح منهم الإيمان والعمل الصالح فغيرهم أولى بذلك وقيل الجملة الآتية خبر للمبتدأ المذكور وخبر إن مقدر كما في قوله نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف وقيل النصارى مرفوع على الابتداء وقوله تعالى والصابئون عطفا عليه وهو مع خبره عطف على الجملة المصدرة بأن ولا مساغ لعطفه وحده على محل إن واسمها لاشتراط ذلك بالفراغ عن الخبر وإلا لارتفع الخبر بأن والابتداء معا واعتذر عنه بأن ذلك إذا كان المذكور خبرا لهما وأما إذا كان خبر المعطوف محذوفا فلا محذور فيه ولا على الضمير في هادوا لعدم التأكيد والفصل ولاستلزامه كون الصابئين هودا وقرئ والصابيون بيان صريحة وبتخفيف الهمزة وقرئ والصابون وهو من صبا يصبوا لأنهم صبوا إلى اتباع الهوى والشهوات في دينهم وقرئ والصابئين وقرئ يا أيها الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون وقوله تعالى «من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا» إما في محل الرفع على أنه مبتدأ خبره «فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون» والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط وجمع الضمائر الأخيرة باعتبار معنى الموصول كما أن إفراد ما في صلته باعتبار لفظه والجملة
(٦٢)