تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٣ - الصفحة ٣٠٣
أحوالهم المنافية له وإيقاع الموصول خبرا لتفخيم شأن المبتدأ أي هو ذلك العظيم الشأن الذي خلقكم جميعا وحده من غير أن يكون لغيره مدخل في ذلك بوجه من الوجوه «من نفس واحدة» هو آدم عليه الصلاة والسلام وهذا نوع تفصيل لما أشير إليه في مطلع السورة الكريمة إشارة إجمالية من خلقهم وتصويرهم في ضمن خلق آدم وتصويره وبيان لكيفيته «وجعل» عطف على خلقكم داخل في حكم الصلة ولا ضير في تقدمه عليه وجودا لما أن الواو لا تستدعي الترتيب في الوجود «منها» أي من جنسها كما في قوله تعالى جعل لكم من أنفسكم أزواجا أو من جسدها لما يروى أنه تعالى خلق حواء من ضلع من أضلاع آدم عليه الصلاة والسلام والأول هو الأنسب إذ الجنسية هي المؤدية إلى الغاية الآتية لا الجزئية والجعل إما بمعنى التصيير فقوله تعالى «زوجها» مفعوله الأول والثاني هو الظرف المقدم وإما بمعنى الإنشاء والظرف متعلق بجعل قدم على المفعول الصريح لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر أو بمحذوف هو حال من المفعول والأول هو الأولى وقوله تعالى «ليسكن إليها» علة غائية للجعل باعتبار تعلقه بمفعوله الثاني أي ليستأنس بها ويطمئن إليها اطمئنانا مصححا للازدواج كما يلوح به تذكير الضمير ويفصح عنه قوله تعالى «فلما تغشاها» أي جامعها «حملت حملا خفيفا» في مبادئ الأمر فإنه عند كونه نطفة أو علقة أو مضغة أخف عليها بالنسبة إلى ما بعد ذلك من المراتب والتعرض لذكر خفته للإشارة إلى نعمته تعالى عليهم في إنشائه تعالى إياهم متدرجين في أطوار الخلق من العدم إلى الوجود ومن الضعف إلى القوة «فمرت به» أي فاستمرت به كما كانت قبل حيث قامت وقعدت وأخذت وتركت وعليه قراءة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقرئ فمرت بالتخفيف وفمارت من المور وهو المجىء والذهاب أو من المرية فظنت الحمل وارتابت به وأما ما قيل من أن المعنى حملت حملا خف عليها ولم تلق منه ما يلقي بعض الحبالى من حملهن من الكرب والأذية ولم تستثقله كما يستثقلنه فمرت به أي فمضت به إلى ميلاده منن غير إخداج ولا إزلاق فيرده قوله تعالى «فلما أثقلت» إذ معناه فلما صارت ذات ثقل لكبر الولد في بطنها ولا ريب في أن الثقل بهذا المعنى ليس مقابلا للخفة بالمعنى المذكور إنما يقابلها الكرب الذي يعتري بعضهن من أول الحمل إلى آخره دون بعض أصلا وقرئ أثقلت على البناء للمفعول أي أثقلها حملها «دعوا الله» أي آدم وحواء عليهما السلام لما دهمهما أمر لم يعهداه ولم يعرفا مآله فاهتما به وتضرعا إليه عز وجل وقوله تعالى «ربهما» أي مالك أمرهما الحقيق بأن يخص به الدعاء إشارة إلى أنهما قد صدرا به دعاءهما كما في قولهما ربنا ظلمنا أنفسنا الآية ومتعلق الدعاء محذوف تعويلا على شهادة الجملة القسمية به أي دعواه تعالى أن يؤتيهما صالحا ووعدا بمقابلته الشكر على سبيل التوكيد القسمي وقالا أو قائلين «لئن آتيتنا صالحا» أي ولدا من جنسنا سويا «لنكونن» نحن ومن يتناسل من ذريتنا «من الشاكرين» الراسخين في الشكر على نعمائك التي من جملتها هذه النعمة وترتيب هذا الجواب على الشرط المذكور لما أنهما قد علما أن ما علقا به دعاءهما أنموذج لسائر أفراد الجنس ومعيار لها ذاتا وصفة وجوده مستتبع لوجودها وصلاحه مستلزم لصلاحها فالدعاء في حقه متضمن للدعاء في حق الكل مستتبع له كأنهما قالا لئن آتيتنا وذريتنا أولادا صالحة وقيل إن ضمير آتيتنا أيضا لهما ولكل من يتناسل من ذريتهما فالوجه ظاهر وأنت خبير بأن نظم الكل
(٣٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 5 - سورة المائدة قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود 2
2 قوله تعالى: ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل. 14
3 قوله تعالى: واتل عليهم بناء بني آدم بالحق. 26
4 قوله تعالى: يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر. 36
5 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء. 47
6 قوله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك. 60
7 (الجزء السابع) قوله تعالى: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا. 71
8 قوله تعالى: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس. 82
9 قوله تعالى: يوم يجمع الله الرسل فيقول ما ذا أجبتم. 93
10 6 _ سورة الأنعام 104
11 قوله تعالى: وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم. 116
12 قوله تعالى: إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله. 129
13 قوله تعالى: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. 143
14 قوله تعالى: وإذا قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة. 151
15 قوله تعالى: إن الله فالق الحب والنوى. 164
16 (الجزء الثامن) قوله تعالى: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة. 174
17 قوله تعالى: لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون. 184
18 قوله تعالى: هو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات. 191
19 قوله تعالى: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا. 197
20 7 - سورة الأعراف قوله تعالى: المص. 209
21 قوله تعالى: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا. 224
22 قوله تعالى: وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. 230
23 قوله تعالى: وإلى عاد أخاهم هودا و قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. 237
24 (الجزء التاسع) قوله تعالى: قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنكما شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا. 248
25 قوله تعالى: وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون. 260
26 قوله تعالى: وواعدنا موسى ثلاثين ليلة و أتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة. 268
27 قوله تعالى: واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة و في الآخرة إنا هدنا إليك. 278
28 قوله تعالى: وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة و ظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه. 289
29 قوله تعالى: هو الذي خلقكم من نفس واحدة و جعل منها زوجها ليسكن إليها. 302