فما لهم لا يبادرون إلى الإيمان بالقرآن قبل الفوت وماذا ينتظرون بعد وضوح الحق وبأي حديث أحق منه يريدون أن يؤمنوا وقيل الضمير لأجلهم والمعنى فبأي حديث بعد انقضاء أجلهم يؤمنون وقيل للرسول صلى الله عليه وسلم على حذف مضاف أي فبأي حديث بعد حديثه يؤمنون وهو أصدق الناس وقوله تعالى «من يضلل الله فلا هادي له» استئناف مقرر لما قبله منبىء عن الطبع على قلوبهم وقوله تعالى «ويذرهم في طغيانهم» بالياء والرفع على الاستئناف أي وهو يذرهم وقرئ بنون العظيمة على طريقة الالتفات أي ونحن نذرهم وقرئ بالياء والجزم عطفا على محل فلا هادي له كأنه قيل من يضلل الله لا يهده أحد ويذرهم وقد روي الجزم بالنون عن نافع وأبي عمرو في الشواذ وقوله تعالى «يعمهون» أي يترددون ويتحيرون حال من مفعول يذرهم وتوحيد الضمير في حيز النفي نظرا إلى لفظ من وجمعه في حيز الإثبات نظرا إلى معناها للتنصيص على شمول النفي والإثبات للكل «يسألونك عن الساعة» استئناف مسوق لبيان بعض أحكام ضلالهم وطغيانهم أي عن القيامة وهي من الأسماء الغالبة وإطلاقها عليها إما لوقوعها بغتة أو لسرعة ما فيها من الحساب أو لأنها ساعة عند الله تعالى مع طولها في نفسها قيل إن قوما من اليهود قالوا يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا فإنا نعلم متى هي وكان ذلك امتحانا منهم مع علمهم أنه تعالى قد استأثر بعلمها وقيل السائلون قريش وقوله تعالى «أيان مرساها» بفتح الهمزة وقد قرىء بكسرها وهو ظرف زمان متضمن لمعنى الاستفهام ويليه المبتدأ أو الفعل المضارع دون الماضي بخلاف متى حيث يليها كلاهما قيل اشتقاقه من أي فعلان منه لأن معناه أي وقت وهو من أويت إلى الشيء لأن البعض آو إلى الكل متساند إليه ومحله الرفع على أنه خبر مقدم ومرساها مبتدأ مؤخر أي متى إرساؤها أي إثباتها وتقريرها فإنه مصدر ميمي من أرساه إذا اثبته وأقره ولا يكاد يستعمل إلا في الشيء الثقيل كما في قوله تعالى والجبال أرساها ومنه مرساة السفن ومحل الجملة قيل الجر على البدلية من الساعة والتحقيق أن محلها النصب بنزع الخافض لأنها بدل من الجار والمجرور لا من المجرور فقط كأنه قيل يسألونك عن الساعة أيان مرساها وفي تعليق السؤال بنفس الساعة أولا وبوقت وقوعها ثانيا تنبيه على أن المقصد الأصلي من السؤال نفسها باعتبار حلولها في وقتها المعين لا وقتها باعتبار كونه محلا لها وقد سلك هذا المسلك في الجواب الملقن أيضا حيث أضيف العلم بالمطلوب بالسؤال إلى ضميرها فأخبر باختصاصه به عز وجل وحيث قيل «قل إنما علمها» أي علمها بالاعتبار المذكور «عند ربي» ولم يقل إنما علم وقت إرسائها ومن لم يتنبه لهذه النكتة حمل
(٣٠٠)