على المضمر العامل في غذ أخذ وارد على نمطه في الأنباء عن الحور بعد الكور والضلالة بعد الهدى أي واتل على اليهود «نبأ الذي آتيناه آياتنا» أي خبره الذي له شأن وخطر وهو أحد علماء بني إسرائيل وقيل هو بلعم بن باعوراء أو بلعام بن باعر من الكنعانيين أوتي علم بعض كتب الله تعالى وقيل هو أمية بن أبي الصلت وكان قد قرأ الكتب وعلم أن الله تعالى مرسل في ذلك الزمان رسولا ورجا أن يكون هو الرسول فلما بعث الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم حسده وكفر به والأول هو الأنسب بمقام التوبيخ اليهود بهناتهم «فانسلخ منها» أي من تلك الآيات انسلاخ الجلد من الشاة ولم يخطرها بباله أصلا أو خرج منها بالكلية بأن كفر بها ونبذها وراء ظهره وأيا ما كان فالتعبير عنه بالانسلاخ المنبىء عن اتصال المحيط بالمحاط خلقة وعن عدم الملاقاة بينهما أبدا للإيذان بكمال مباينته للآيات بعد أن كان بينهما كمال الاتصال «فأتبعه الشيطان» أي تبعه حتى لحقه وأدركه فصار قرينا له وهو المعنى على قراءة فاتبعه من الافتعال وفيه تلويح بأنه أشد من الشيطان غواية أو اتبعه خطواته «فكان من الغاوين» فصار من زمرة الضالين الراسخين في الغواية بعد أن كان من المهتدين وروي أن قومه طلبوا إليه أن يدعو على موسى عليه السلام فقال كيف أدعو على من معه الملائكة فلم يزالوا به حتى فعل فبقوا في التيه ويرده أن التيه كان لموسى عليه السلام روحا وراحة وإنما عذب به بنو إسرائيل وقد كان ذلك بدعائه عليه السلام عليهم كما مر في سورة المائدة «ولو شئنا» كلام مستأنف مسوق لبيان مناط ما ذكر من انسلاخه من الآيات ووقوعه في مهاوي الغواية ومفعول المشيئة محذوف لوقوعها شرطا وكون مفعولها مضمون الجزاء على القاعدة المستمرة أي ولو شئنا رفعه لرفعنا أي إلى المنازل العالية للأبرار العالمين بتلك الآيات والعاملين بموجبها لكن لا بمحض مشيئتنا من غير أن يكون له دخل في ذلك أصلا فإنه مناف للحكمة التشريعية المؤسسة على تعليق الأجزية بالأفعال الاختيارية للعباد بل مع مباشرته للعمل المؤدي إلى الرفع بصرف اختياره إلى تحصيله كما ينبئ عنه قوله تعالى «بها» أي بسبب تلك الآيات بأن عمل بموجبها فإن اختياره وإن لم يكن مؤثرا في حصوله ولا في ترتب الرفع عليه بل كلاهما بخلق الله تعالى لكن خلقه تعالى منوط بذلك البتة حسب جريان العادة الإلهية وقد أشير إلى ذلك في الاستدراك بأن أسند ما يؤدي إلى نقيض التالي إليه حيث قيل «ولكنه أخلد إلى الأرض» مع أن الإخلاد إليها أيضا مما لا يتحقق عند صرف اختياره إليه إلا بخلقه تعالى كأنه قيل ولو شئنا رفعه بمباشرته لسببه لرفعناه بسبب تلك الآيات التي هي أقوى أسباب الرفع ولكن لم نشأه لمباشرته لسبب نقيضه فترك في كل من المقامين ما ذكر في الآخر تعويلا على إشعار المذكور بالمطوي كما في قوله تعالى وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد
(٢٩٢)