لكل من يواجهها وقيل ضمير الفاعل في تراهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وضمير المفعول على حاله وقيل للمشركين على أن التعليل قد تم عند قوله تعالى لا يسمعوا أي وترى المشركين ينظرون إليك والحال أنهم لا يبصرونك كما أنت عليه وعن الحسن أن الخطاب في قوله تعالى وإن تدعوا للمؤمنين على أن التعليل قد تم عند قوله تعالى ينصرون أي وإن تدعوا أيها المؤمنون المشركين إلى الإسلام لا يلتفتوا إليكم ثم خوطب صلى الله عليه وسلم بطريق التجريد بأنك تراهم ينظرون إليك والحال أنهم لا يبصرونك حق الإبصار تنبيها على أن ما فيه صلى الله عليه وسلم من شواهد النبوة ودلائل الرسالة من الجلاء بحيث لا يكاد يخفى على الناظرين «خذ العفو» بعد ما عد من أباطيل المشركين وقبائحهم ما لا يطاق تحمله أمر صلى الله عليه وسلم بمجامع مكارم الأخلاق التي من جملتها الإغضاء عنهم أي خذ ما عفا لك من أفعال الناس وتسهل ولا تكلفهم ما يشق عليهم من العفو الذي هو ضد الجهد أو خذ العفو من المذنبين أو الفضل من صدقاتهم وذلك قبل وجوب الزكاة «وأمر بالعرف» بالجميل المستحسن من الأفعال فإنها قريبة من قبول الناس من غير نكير «وأعرض عن الجاهلين» من غير مماراة ولا مكافأة قيل لما نزلت سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام فقال لا أدري حتى أسأل ثم رجع فقال يا محمد إن ربك أمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك وعن جعفر الصادق أمر الله تعالى نبيه بمكارم الأخلاق وروي أنه لما نزلت الآية الكريمة قال صلى الله عليه وسلم كيف يا رب والغضب متحقق فنزل قوله تعالى «وإما ينزغنك من الشيطان نزغ» النزغ والنسع والنخس الغرز شبهت وسوسته للناس وإغراؤه لهم على المعاصي بغرز السائق لما يسوقه وإسناده إلى النزغ من قبيل جد جده أي وإما يحملنك من جهته وسوسة ما على خلاف ما أمرت به من اعتراء غضب أو نحوه «فاستعذ بالله» فالتجىء إليه تعالى من شره «إنه سميع» يسمع استعاذتك به قولا «عليم» يعلم تضرعك إليه قلبا في ضمن القول أو بدونه فيعصمك من شره وقد جوز أن يراد بنزغ الشيطان اعتراء الغضب على نهج الاستعارة كما في قول الصديق رضي الله عنه إن لي شيطانا يعتريني ففيه زيادة تنفير عنه وفرط تحذير عن العمل بموجبه وفي الأمر بالاستعاذة بالله تعالى تهويل لأمره وتنبيه على أنه من الغوائل الصعبة التي لا يتخلص من مضرتها إلا بالالتجاء إلى حرم عصمته عز وجل وقيل يعلم ما فيه صلاح أمرك فيحملك عليه أو سميع بأقوال من آذاك عليم بأفعاله فيجازيه عليها «إن الذين اتقوا» استئناف مقرر لما قبله أن ما أمر به صلى الله عليه وسلم من الاستعاذة بالله تعالى سنة مسلوكة للمتقين والإخلال بها ديدن الغاوين أي إن الذين اتصفوا بوقاية أنفسهم عما يضرها «إذا مسهم طائف من الشيطان» أدنى لمة منه على أن تنوينه للتحقير وهو اسم فاعل من طاف يطوف
(٣٠٨)