كذلك حيث لا يميزون بين المنافع والمضار بل يعكسون الأمر فيتركون النعيم المقيم ويقدمون على العذاب الخالد وقيل لأنها تعرف صاحبها وتذكره وتطيعه وهؤلاء لا يعرفون ربهم ولا يذكرونه ولا يطيعونه وفي الخبر كل شيء أطوع لله من ابن آدم «أولئك» المنعوتون بما مر من مثلية الأنعام والشرية منها «هم الغافلون» الكاملون في الغفلة المستحقون لأن يخص بهم الاسم ولا يطلق على غيرهم كيف لا وأنهم لا يعرون من شؤون الله عز وجل ولا من شؤون ما سواه شيئا فيشركون به سبحانه وليس كمثله شيء وهو السميع البصير أصنامهم التي هي من أخس مخلوقاته تعالى «ولله الأسماء الحسنى» تنبيه للمؤمنين على كيفية ذكره تعالى وكيفية المعاملة مع المخلين بذلك الغافلين عنه سبحانه عما يليق به من الأمور وما لا يليق به إثر بيان غفلتهم التامة وضلالتهم الطامة والحسنى تأثيث الأحسن أي الأسماء التي هي أحسن الأسماء وأجلها لإنبائها عن أحسن المعاني وأشرفها «فادعوه بها» أي فسموه بتلك الأسماء «وذروا الذين يلحدون في أسمائه» الإلحاد واللحد الميل والانحراف يقال لحد وألحد إذا مال عن القصد وقرئ يلحدون من الثلاثي أي يميلون في شأنها عن الحق إلى الباطل إما بأن يسموه تعالى بما لا توقيف فيه أو بما يوهم معنى فاسدا كما في قول أهل البدو يا ابا المكارم يا أبيض الوجه يا بخى ونحو ذلك فالمراد بالترك المأمور به الاجتناب عن ذلك وبأسمائه ما أطلقوه عليه تعالى وسموه به على زعمهم لا أسماؤه تعالى حقيقة وعلى ذلك يحمل ترك الإضمار بأن يقال يلحدون فيها وإما بأن يعدلوا عن تسميته تعالى ببعض أسمائه الكريمة كما قالوا وما الرحمن ما نعرف سوى رحمان اليمامة فالمراد بالترك الاجتناب أيضا وبالأسماء أسماؤه تعالى حقيقة فالمعنى سموه تعالى بجميع أسمائه الحسنى واجتنبوا إخراج بعضها من البين وإما بأن يطلقوها على غيره تعالى كما سموا أصنامهم آلهة وإما بأن يشتقوا من بعضها أسماء أصنامهم كما اشتقوا اللات من الله تعالى والعزى من العزيز فالمراد بالأسماء أسماؤه تعالى حقيقة كما في الوجه الثاني والإظهار في موقع الإضمار مع التجريد عن الوصف في الكل للإيذان بأن إلحادهم في نفس الأسماء من غير اعتبار الوصف وليس المراد بالترك حينئذ الاجتناب عن ذلك إذ لا يتوهم صدور مثل هذا الإلحاد عن المؤمنين ليؤمروا بتركه بل هو الإعراض عنهم وعدم المبالاة بما فعلوا ترقبا لنزول العقوبة بهم عن قريب كما هو المتبادر من قوله تعالى «سيجزون ما كانوا يعملون» فإنه استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من الأمر بعدم المبالاة والإعراض عن المجازاة كأنه قيل لم لا نبالي بإلحادهم ولا نتصدى لمجازاتهم فقيل لأنه ينزل بهم عقوبته وتتشفون بذلك عن قريب وأما على الوجهين الأولين فالمعنى اجتنبوا إلحادهم كيلا يصيبكم ما أصابهم فإنه سينزل بهم عقوبة إلحادهم «وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون» بيان إجمالي لحال
(٢٩٦)