تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٣ - الصفحة ٢٩٥
طرق الضلال «ولقد ذرأنا» كلام مستأنف مقرر لمضمون ما قبله بطريق التذييل أيخلقنا «لجهنم» أي لدخولها والتعذيب بها وتقديمه على قوله تعالى «كثيرا» أي خلقا كثيرا مع كونه مفعولا به لما في توابعه من نوع طول يؤدي توسيطه بينهما وتأخيره وعنها إلى الاخلال بجزالة النظم الكريم وقوله تعالى «من الجن والإنس» متعلق بمحذوف هو صفة لكثيرا أي كائنا منهما وتقديم الجن لأنهما أعرف من الأنس في الاتصاف بما نحن فيه من الصفات وأكثر عددا وأقدم خلقا والمراد بهم الذين حقت عليهم الكلمة الأزلية بالشقاوة ولكن لا بطريق الجبر من غير أن يكون من قبلهم ما يؤدي إلى ذلك بل لعلمه تعالى بأنهم لا يصرفون اختيارهم نحو الحق ابدا بل يصرون على الباطل من غير صارف يلويهم ولا عاطف يثنيهم من الآيات والنذر فبهذا الاعتبار جعل خلقهم مغيابها كما أن جميع الفريقين باعتبار استعدادهم الكامل الفطري للعبادة وتمكنهم التام منها جعل خلقهم مغيابها كما نطق به قوله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وقوله تعالى «لهم قلوب» في محل النصب على أنه صفة أخرى لكثيرا وقوله تعالى «لا يفقهون بها» في محل الرفع على أنه صفة لقلوب مؤكدة لما يفيده تنكيرها وإبهامها من كونها غير معهودة مخالفة لسائر أفراد الجنس فاقدة لكماله بالكلية لكن لا بحسب الفطرة حقيقة بل بسبب امتناعهم عن صرفها إلى تحصيله وهذا وصف لها بكمال الإغراق في القساوة فإنها حيث لم يتأت منها الفقه بحال فكأنها خلقت غير قابلة له رأسا وكذا الحال في أعينهم وآذانهم وحذف المفعول للتعميم أي لهم قلوب ليس من شأنها أن يفقهوا بها شيئا مما من شأنه أن يفقه فيدخل فيه ما يليق بالمقام من الحق ودلائله دخولا أوليا وتخصيصه بذلك مخل بالإفصاح عن كنه حالهم «ولهم أعين لا يبصرون بها» الكلام فيه كما فيما عطف هو عليه والمراد بالإبصار والسمع المنفيين ما يختص بالعقلاء من الإدراك على ما هو وظيفة الثقلين لا ما يتناول مجرد الإحساس بالشبح والصوت كما هو وظيفة الإنعام أي لا يبصرون بها شيئا من المبصرا فيندرج فيه الشواهد التكوينية الدالة على الحق اندراجا أوليا «ولهم أعين لا يبصرون بها» أي شيئا من المسموعات فيتناول الآيات التنزيلية تناولا أوليا وإعادة الخبر في الجملتين المعطوفتين مع انتظام الكلام بأن يقال وأعين لا يبصرون بها وآذان لا يسمعون بها لتقرير سوء حالهم وفي إثبات المشاعر الثلاثة لهم ثم وصفها بعدم الشعور دون سلبها عنهم ابتداء بأن يقال ليس لهم قلوب يفقهون بها ولا أعين يبصرون بها ولا آذان يسمعون بها من الشهادة بكمال رسوخهم في الجهل والغواية ما لا يخفى «أولئك» إشارة إلى المذكورين باعتبار اتصافهم بما ذكر من الصفات وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في الضلال أي أولئك الموصوفون بالأوصاف المذكورة «كالأنعام» أي في انتفاء الشعور على الوجه المذكور أو في أن مشاعرهم متوجهة إلى أسباب التعيش مقصورة عليها «بل هم أضل» فإنها تدرك ما من شأنها أن تدركه من المنافع والمضار فتجتهد في جلبها وسلبها غاية جهدها مع كونها بمعزل من الخلود وهؤلاء ليسوا
(٢٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 5 - سورة المائدة قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود 2
2 قوله تعالى: ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل. 14
3 قوله تعالى: واتل عليهم بناء بني آدم بالحق. 26
4 قوله تعالى: يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر. 36
5 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء. 47
6 قوله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك. 60
7 (الجزء السابع) قوله تعالى: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا. 71
8 قوله تعالى: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس. 82
9 قوله تعالى: يوم يجمع الله الرسل فيقول ما ذا أجبتم. 93
10 6 _ سورة الأنعام 104
11 قوله تعالى: وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم. 116
12 قوله تعالى: إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله. 129
13 قوله تعالى: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. 143
14 قوله تعالى: وإذا قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة. 151
15 قوله تعالى: إن الله فالق الحب والنوى. 164
16 (الجزء الثامن) قوله تعالى: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة. 174
17 قوله تعالى: لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون. 184
18 قوله تعالى: هو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات. 191
19 قوله تعالى: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا. 197
20 7 - سورة الأعراف قوله تعالى: المص. 209
21 قوله تعالى: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا. 224
22 قوله تعالى: وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. 230
23 قوله تعالى: وإلى عاد أخاهم هودا و قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. 237
24 (الجزء التاسع) قوله تعالى: قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنكما شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا. 248
25 قوله تعالى: وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون. 260
26 قوله تعالى: وواعدنا موسى ثلاثين ليلة و أتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة. 268
27 قوله تعالى: واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة و في الآخرة إنا هدنا إليك. 278
28 قوله تعالى: وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة و ظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه. 289
29 قوله تعالى: هو الذي خلقكم من نفس واحدة و جعل منها زوجها ليسكن إليها. 302