ظهور آبائهم على نفسها لا على غيرها تقريرا لهم بربوبيته التامة وما تستتبعه من المعبودية على الاختصاص وغير ذلك من أحكامها وقوله تعالى «ألست بربكم» على إرادة القول أي قائلا ألست بربكم ومالك أمركم ومربيكم على الإطلاق من غير أن يكون لأحد مدخل في شأن من شئونكم فينتظم استحقاق المعبودية ويستلزم اختصاصه به تعالى «قالوا» استئناف مبني على سؤال نشأ من الكلام كأنه قيل فماذا قالوا حينئذ فقيل «قالوا بلى شهدنا» أي على أنفسنا بأنك ربنا وإلهنا لا رب لنا غيرك كما ورد في الحديث الشريف وهذا تمثيل لخلقه تعالى إياهم جميعا في مبدأ الفطرة مستعدين للاستدلال بالدلائل المنصوبة في الآفاق والأنفس المؤدية إلى التوحيد والإسلام كما ينطق به قوله صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة الحديث مبني على تشبيه الهيئة المنتزعة من تعريضه تعالى إياهم لمعرفة ربوبيته بعد تمكينهم منها بما ركز فيهم من العقول والبصائر ونصب لهم في الآفاق والأنفس من الدلائل تمكينا تاما ومن تمكنهم منها تمكنا كاملا وتعرضهم لها تعرضا قويا بهيئة منتزعة من حمله تعالى إياهم على الاعتراف بها بطريق الأمر ومن مسارعتهم إلى ذلك من غير تلعثم أصلا من غير أن يكون هناك أخذ وإشهاد وسؤال وجواب كما في قوله تعالى فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين وقوله تعالى «أن تقولوا» بالتاء على تلوين الخطاب وصرفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاصريه من اليهود تشديدا في الإلزام أو إليهم وإلى متقدميهم بطريق التغليب لكن لا من حيث إنهم مخاطبون بقوله تعالى ألست بربكم فإنه ليس من الكلام المحكى وقرئ بالياء على أن الضمير للذرية وأيا ما كان فهو مفعول له لما قبله من الأخذ والإشهاد أي فعلنا ما فعلنا كراهة أن تقولوا أو لئلا تقولوا أيها الكفرة أو يقولوا هم «يوم القيامة» عند ظهور الأمر «إنا كنا عن هذا» عن وحدانية الربوبية وأحكامها «غافلين» لم ننبه عليه فإنه حيث جبلوا على ما ذكر من التهيؤ التام لتحقيق الحق والقوة القريبة من الفعل صاروا محجوجين عاجزين عن الاعتذار بذلك إذ لا سبيل لأحد إلى إنكار ما ذكر من خلقهم على الفطرة السليمة وقوله تعالى «أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا» عطف على تقولوا وأو لمنع الخلو دون الجمع أي هم اخترعوا الإشراك وهم سنوه «من قبل» أي من قبل زماننا «وكنا» نحن «ذرية من بعدهم» لا نهتدي إلى السبيل ولا نقدر على الاستدلال بالدليل «أفتهلكنا بما فعل المبطلون» من آبائنا المضلين بعد ظهور أنهم المجرمون ونحن عاجزون عن التدبير والاستبداد بالرأي أو أتؤا خذنا فتهلكنا الخ فإن ما ذكر من استعدادهم الكامل يسد عليهم باب الاعتذار بهذا أيضا فإن التقليد عند قيام الدلائل والقدرة على الاستدلال بها مما لا مساغ له أصلا هذا وقد حملت هذه المقاولة على الحقيقة كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما من أنه لما خلق الله تعالى آدم عليه السلام مسح ظهره فأخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة فقال ألست بربكم قالوا بلى فنودي يومئذ جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه سئل عن الآية الكريمة فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها فقال إن الله تعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة
(٢٩٠)