وترك العظيمة التي كان يدعيها الطاغية ويقبلها منه فتنة الباغية وإرسال بني إسرائيل من الأسر والقسر وأما العمل بأحكام التوراة فمختص ببني إسرائيل «جميعا» حال من الضمير في إليكم «الذي له ملك السماوات والأرض» منصوب أو مرفوع على المدح أو مجرور على أنه صفة للجلالة وإن حيل بينهما بما هو متعلق بما أضيف إليه فإنه في حكم المتقدم عليه وقوله تعالى «لا إله إلا هو» بيان لما قبله من ملك العالم كان هو الإله لا غيره وقوله تعالى «يحيي ويميت» لزيادة تقرير ألوهيته والفاء في قوله تعالى «فآمنوا بالله ورسوله» لتفريع الأمر على ما تمهد وتقرر من رسالته صلى الله عليه وسلم وإيراد نفسه عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة على طريقة الالتفات إلى الغيبة المبالغة في إيجاب الامتثال بأمره ووصف الرسول بقوله «النبي الأمي» لمدحه عليه الصلاة والسلام بهما ولزيادة تقرير أمره وتحقيق أنه المكتوب في الكتابين ووصفه بقوله تعالى «الذي يؤمن بالله وكلماته» أي ما أنزل إليه وإلى سائر الرسل عليهم السلام من كتبه ووحيه لحمل أهل الكتابين على الامتثال بما أمروا به والتصريح بإيمانه بالله تعالى للتنبيه على أن الإيمان به تعالى لا ينفك عن الإيمان بكلماته ولا يتحقق إلا به وقرئ وكلمته على إرادة الجنس أو القرآن تنبيها على أن المأمور به هو الإيمان به عليه الصلاة والسلام من حيث أنزل عليه القرآن لا من حيثية أخرى أو على أن المراد بها عيسى عليه الصلاة والسلام تعريضا باليهود وتنبيها على أن من لم يؤمن به لم يعتد بإيمانه «واتبعوه» أي في كل ما يأتي وما يذر من أمور الدين «لعلكم تهتدون» علة للفعلين أو حال من فاعليهما أي رجاء لاهتدائكم إلى المطلوب أو راجين له وفي تعليقه بهما إيذان بأن من صدقه ولم يتبعه بالتزام أحكام شريعته فهو بمعزل من الاهتداء مستمر على الغي والضلال «ومن قوم موسى» كلام مبتدأ لدفع ما عسى يوهمه تخصيص كتب الرحمة والتقوى والإيمان بالآيات بمتبعي رسول الله صلى الله عليه وسلم من حرمان أسلاف قوم موسى عليه السلام من كل خير وبيان أن كلهم ليسوا كما حكيت أحوالهم بل منهم «أمة يهدون» أي الناس «بالحق» أي ملتبسين به أو يهدونهم بكلمة الحق «وبه» أي بالحق «يعدلون» أي في الأحكام الجارية فيما بينهم وصيغة المضارع في الفعلين لحكاية الحال الماضية وقيل هم الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ويأباه أنه قد مر ذكرهم فيما سلف وقيل إن بني إسرائيل لما بالغوا في العتو والطغيان حتى اجترءوا على قتل الأنبياء عليهم السلام تبرأ سبط منهم مما صنعوا واعتذروا وسألوا الله تعالى أن يفرق بينهم وبين أولئك الطاغين ففتح الله تعالى لهم نفقا في الأرض فساروا فيه سنة ونصفا حتى خرجوا من وراء الصين وهم اليوم هنالك حنفاء مسلمون يستقبلون قبلتنا وقد ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل عليه السلام ذهب به ليلة الإسراء نحوهم فكلمهم فقال جبريل عليه السلام هل تعرفون من تكلمون قالوا لا قال هذا محمد النبي الأمي فآمنوا به وقالوا يا رسول الله إن موسى أوصانا من أدرك منكم أحمد فليقرأ مني عليه السلام فرد محمد على موسى السلام عليهما السلام ثم أقرأهم عشر سور من القرآن نزلت بمكة
(٢٨١)