إيتاء مثل إيتاء رسل الله وأما ما قيل من أن الوليد بن المغيرة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لو كانت النبوة حقا لكنت أولى بها منك لأني أكبر منك سنا وأكثر منك مالا وولدا فنزلت فلا تعلق له بكلامهم المردود إلا أن يراد بالإيمان المعلق بما ذكر مجرد الإيمان بكون الآية النازلة وحيا صادقا لا الإيمان بكونها نازلة إليه عليه الصلاة والسلام فيكون المعنى وإذا جاءتهم آية نازلة إلى الرسول قالوا لن نؤمن بنزولها من عند الله حتى يكون نزولها إلينا لا إليه لأنا نحن المستحقون دونه فإن ملخص معنى قوله لو كانت النبوة حقا الخ لو كان ما تدعيه من النبوة حقا لكنت أنا النبي لا أنت وإذ لم يكن الأمر كذلك فليست بحق وماله تعليق الإيمان بحقية النبوة بكون نفسه نبيا ومثل ما أوتي نصب على أنه نعت لمصدر محذوف وما مصدرية أي حتى نؤتاها إيتاء مثل إيتاء رسل الله وإضافة الإيتاء إليهم لأنهم منكرون لإيتائه صلى الله عليه وسلم وحيث نصب على المفعولية توسعا لا بنفس أعلم لما عرفت من أنه لا يعمل في الظاهر بل يفعل دل هو عليه أي هو أعلم يعلم الموضع الذي يضعها فيه والمعنى أن منصب الرسالة ليس مما ينال بكثرة المال والولد وتعاضد الأسباب والعدد وإنما ينال بفضائل نفسانية يخصها الله تعالى بمن يشاء من خلص عباده وقرئ رسالاته «سيصيب الذين أجرموا» استئناف آخر ناع عليهم ما سيلقونه من فنون الشر بعد مانعى عليهم حرمانهم مما أملوه والسين للتأكيد ووضع الموصول موضع الضمير للإشعار بأن إصابة ما يصيبهم لإجرامهم المستتبع لجميع الشرور والقبائح أي يصيبهم البتة مكان ما تمنوه وعلقوا به أطماعهم الفارغة من عزة النبوة وشرف الرسالة «صغار» أي ذلة وحقارة بعد كبرهم «عند الله» أي يوم القيامة وقيل من عند الله «وعذاب شديد» في الآخرة أو في الدنيا «بما كانوا يمكرون» أي بسبب مكرهم المستمر أو بمقابلته وحيث كان هذا من معظم مواد إجرامهم صرح بسببيته «فمن يرد الله أن يهديه» أي يعرفه طريق الحق ويوفقه للإيمان «يشرح صدره للإسلام» فيتسع له وينفتح وهو كناية عن جعل النفس قابلة للحق مهيئة لحلوله فيها مصفاة عما يمنعه وينافيه وإليه أشار عليه الصلاة والسلام حين سئل فقال نور يقذفه الله في قلب المؤمن فينشرح له وينفتح فقالوا هل لذلك من أمارة يعرف بها فقال نعم الإنابة إلى دار الخلود والإعراض عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله «ومن يرد أن يضله» أي يخلق فيه الضلال بصرف اختياره إليه «يجعل صدره ضيقا حرجا» بحيث ينبو عن قبول الحق فلا يكاد يدخله الإيمان وقرئ ضيقا بالتخفيف وحرجا بكسر الراء أي شديد الضيق والأول مصدر وصف به مبالغة «كأنما يصعد» ما هذه مهيئة لدخول كأن على الجمل الفعلية «في السماء» شبه للمبالغة في ضيق صدره بمن يزاول ما لا يكاد يقدر عليه فإن صعود السماء مثل فيما هو خارج عن دائرة الاستطاعة وفيه تنبيه على أن الإيمان يمتنع منه كما يمتنع منه الصعود وقيل معناه كأنما يتصاعد إلى السماء نبوا عن الحق وتباعدا في الهرب منه واصل يصعد يتصعد وقد قرىء به وقرئ يصاعد وأصله يتصاعد «كذلك» أي مثل ذلك الجعل الذي هو جعل الصدر حرجا
(١٨٣)