أخرى بل كنتم حاضرين مشاهدين «إذ وصاكم الله بهذا» أي حين وصاكم بهذا الترحيم إذ أنتم لا تؤمنون بنبي فلا طريق لكم حسبما يقود إليه مذهبكم إلى معرفة أمثال ذلك إلا المشاهدة والسماع وفيه من تركيك عقولهم والتهكم بهم ما لا يخفى «فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا» فنسب إليه تحريم ما لم يحرم والمراد كبراؤهم والمقررون لذلك أو عمر بن لحى بن قمعة وهو المؤسس لهذا الشر أو الكل لاشتراكهم في الافتراء عليه سبحانه وتعالى فأي طريق أظلم من فريق افتروا الخ ولا يقدح في أظلمية الكل كون بعضهم مخترعين له وبعضهم مقتدين بهم والفاء لترتيب ما بعدها على ما سبق من تبكيتهم وإظهار كذبهم وافترائهم أي هو أظلم من كل ظالم وإن كان المنفي صريحا الأظلمية دون المساواة كما مر غير مرة «ليضل الناس» متعلق بالافتراء «بغير علم» متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل افترى أي افترى عليه تعالى بصدور التحريم منه تعالى وإنما وصفوا بعد العلم بذلك مع أنهم عالمون بعدم صدوره عنه تعالى إيذانا بخروجهم في الظلم عن الحدود والنهايات فإن من افترى عليه تعالى بغير علم بصدوره عنه تعالى مع احتمال الصدور عنه إذا كان أظلم من كل ظالم فما ظنك بمن افترى عليه تعالى وهو يعلم أنه لم يصدر عنه ويجوز أن يكون حالا من فاعل يضل أي ملتبسا بغير علم بما يؤدى بهم إليه «إن الله لا يهدي القوم الظالمين» كائنا من كان إلى ما فيه صلاح حالهم عاجلا أو آجلا وإذا كان هذا حال المتصفين بالظلم في الجملة فما ظنك بمن هو في أقصى غاياته «قل» أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إلزام المشركين وتبكيتهم وبيان أن ما يتقولونه في أمر التحريم افتراء بحت لا أصل له قطعا بأن يبين لهم ما حرمه عليهم وفي قوله تعالى «لا أجد فيما أوحي إلي محرما» إيذان بأن مناط الحل والحرمة هو الوحي وأنه صلى الله عليه وسلم قد تتبع في جميع ما أوحي إليه وتفحص عن المحرمات فلم يجد غير ما فصل وفيه مبالغة في بيان انحصارها في ذلك ومحرما صفة لمحذوف أي لا أجد ريثما تصفحت ما أوحي إلي طعاما محرما من المطاعم التي حرموها «على طاعم» أي أي طاعم كان من ذكر أو أنثى ردا على قولهم محرم على أزواجنا وقوله تعالى لزيادة التقرير «إلا أن يكون» أي ذلك الطعام «ميتة» وقرئ تكون بالتاء لتأنيث الخبر وقرئ ميتة بالرفع على أن كان تامة وقوله تعالى «أو دما مسفوحا» حينئذ عطف على أن مع ما في حيزه أي إلا وجود ميتة أو دما مسفوحا أي مصبوبا كالدماء التي في العروق لا كالطحال والكبد «أو لحم خنزير فإنه» أي الخنزير «رجس» أي لحمه قذر لتعوده أكل النجاسات أو خبيث «أو فسقا» عطف على لحم خنزير وما بينهما اعتراض مقرر لحرمته «أهل لغير الله به» صفة له موضحة أي ذبح على اسم الأصنام وإنما سمي ذلك فسقا لتوغله في الفسق ويجوز أن يكون فسقا مفعولا له لأهل وهو عطف على يكون والمستكن راجع إلى ما رجع إليه المستكن في يكون «فمن اضطر» أي
(١٩٤)