أي الذي توعدونه من البعث وما يتفرع عليه من الأمور الهائلة وصيغة الاستقبال للدلالة على الاستمرار التجددي «لآت» لواقع لا محالة كقوله تعالى إن ما توعدون لواقع وإيثاره عليه لبيان كمال سرعة وقوعه بتصويره بصورة طالب حثيث لا يفوته هارب حسبما يعرب عنه قوله تعالى «وما أنتم بمعجزين» أي بفائتين ذلك وإن ركبتم في الهرب متن كل صعب وذلول كما أن إيثار صيغة الفاعل على المستقبل للإيذان بكمال قرب الإتيان والمراد بيان دوام انتفاء الإعجاز لا بيان انتفاء دوام الإعجاز فإن الجملة الاسمية كما تدل على دوام الثبوت تدل بمعونة المقام إذا دخل عليها حرف النفي على دوام الانتفاء لا على انتفاء الدوام كما حقق في موضعه «قل يا قوم اعملوا على مكانتكم» إثر ما بين لهم حالهم ومآلهم بطريق الخطاب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق التلوين بأن يواجههم بتشديد التهديد وتكرير الوعيد ويظهر لهم ما هو عليه غاية التصلب في الدين ونهاية الوثوق بأمره وعدم المبالاة بهم أي اعملوا على غاية تمكنكم واستطاعتك يقال نمكن مكانة إذا تمكن أبلغ التمكن أو على جهتكم وحالتكم التي أنتم عليها من قولهم مكان ومكانة كمقام ومقامة وقرئ مكاناتكم والمعنى اثبتوا على كفرهم ومعاداتكم «إني عامل» ما أمرت به من الثبات على الإسلام والاستمرار على الأعمال الصالحة والمصابرة وإيراد التهديد بصيغة الأمر مبالغة في الوعيد كأن المهدد يريد تعذيبه مجمعا عليه فيحمله بالأمر على ما يؤدي إليه وتسجيل بأن المهدد لا يتأتى منه إلا الشر كالذي أمر به بحيث لا يجد إلى التقصي عنه سبيلا «فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار» سوف لتأكيد مضمون الجملة والعلم عرفاني ومن إما استفهامية معلقة لفعل العلم محلها الرفع على الابتداء وتكون باسمها وخبرها خبر لها وهي مع خبرها في محل نصب لسدها مسد مفعول تعلمون أي فسوف تعلمون أينا تكون له العاقبة الحسنى التي خلق الله تعالى هذه الديار لها وإما موصولة فمحلها النصب على أنها مفعول لتعلمون أي فسوف تعلمون الذي له عاقبة الدار وفيه مع الإنذار إنصاف في المقال وتنبيه على كمال وثوق المنذر بأمره وقرئ بالياء لأن تأنيث العاقبة غير حقيقي «أنه» أي الشأن «لا يفلح الظالمون» وضع الظلم موضع الكفر إيذانا بأن امتناع الفلاح يترتب على أي فرد كان من أفراد الظلم فما ظنك بالكفر الذي هو أعظم أفراده «وجعلوا» شروع في تقبيح أحوالهم الفظيعة بحكاية أقوالهم وأفعالهم الشنيعة مشركوا العرب كانوا يعينون أشياء من حرث ونتاج لله تعالى وأشياء منهما لآلهتهم فإذا رأوا ما جعلوه لله تعالى زاكيا ناميا يزيد في نفسه خيرا رجعوا فجعلوه لآلهتهم وإذا زكا ما جعلوه لآلهتهم تركوه معتلين بأن الله تعالى غني وما ذاك إلا لحب آلهتهم وإيثارهم لها والجعل إما متعد إلى واحد فالجاران في قوله تعالى
(١٨٨)