«وخلقهم» حال من فاعل جعلوا بتقدير قد أو بدونه على اختلاف الرأيين مؤكدة لما في جعلهم ذلك من كمال القباحة والبطلان باعتبار علمهم بمضمونها أي وقد علموا أنه تعالى خالقهم خاصة وقيل الضمير للشركاء أي والحال أنه تعالى خلق الجن فكيف يجعلون مخلوقه شريكا له تعالى وقرئ خلقهم عطفا على الجن أي وما يخلقونه من الأصنام أو على شركاء أي وجعلوا له اختلافهم الإفك حيث نسبوه إليه تعالى «وخرقوا له» أي افتعلوا وافتروا له يقال خلق الإفك واختلقه وخرقه واخترقه بمعنى وقرئ خرقوا بالتشديد للتكثير وقرئ وحرفوا له أي زوروا «بنين وبنات» فقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله وقالت طائفة من العرب الملائكة بنات الله «بغير علم» أي بحقيقة ما قالوه من خطأ أو صواب بل رميا بقول عن عمي وجهالة من غير فكر وروية أو بغير علم بمرتبة ما قالوه وأنه من الشناعة والبطلان بحيث لا يقادر قدره والباء متعلقة بمحذوف هو حال من فاعل خرقوا أو نعت لمصدر مؤكد له أي خرقوا ملتبسين بغير علم أو خرقا كائنا بغير علم «سبحانه» استئناف مسوق لتنزيهه عز وجل عما نسبوه إليه وسبحانه علم للتسبيح الذي هو التبعيد عن السوء اعتقادا وقولا أي اعتقاد البعد عنه والحكم به من سبح في الأرض والماء إذا أبعد فيهما وأمعن ومنه فرس سبوح أي واسع الجري وانتصابه على المصدرية ولا يكاد يذكر ناصبه أي أسبح سبحانه أي أنزهه عما لا يليق به عقدا وعملا تنزيها خاصا به حقيقة بشأنه وفيه مبالغة من جهة الاشتقاق من السبح ومن جهة النقل إلى التفعيل ومن جهة العدول عن المصدر الدال على الجنس إلى الاسم الموضوع له خاصة لا سيما العلم المشير إلى الحقيقة الحاضرة في الذهن ومن جهة إقامته مقام المصدر مع الفعل وقيل هو مصدر كغفران لأنه سمع له فعل من الثلاثي كما ذكر في القاموس أريد به التنزه التام والتباعد الكلي ففيه مبالغة من حيث إسناد التنزه إلى ذاته المقدسة أي تنزه بذاته تنزها لائقا به وهو الأنسب بقوله سبحانه «وتعالى» فإنه معطوف على الفعل المضمر لا محالة ولما في السبحان والتعالي من معنى التباعد قيل «عما يصفون» أي تباعد عما يصفونه من أن له شريكا أو ولدا «بديع السماوات والأرض» اي مبدعهما ومخترعهما بلا مثال يحتذيه ولا قانون ينتحيه فإن البديع كما يطلق على المبدع نص عليه أئمة اللغة كالصريخ بمعنى المصرخ وقد جاء بدعه كمنعه بمعنى أنشأه كابتدعه على ما ذكر في القاموس وغيره ونظيره السميع بمعنى المسمع في قوله * أمن ريحانة الداعي السميع وقيل هو من إضافة الصفة المشبهة إلى الفاعل للتخفيف بعد نصبه تشبيها لها باسم الفاعل كما هو المشهور أي بديع سماواته وأرضه من بدع إذا كان على نمط عجيب وشكل فائق وحسن رائق أو إلى الظرف كما في قولهم ثبت الغدر بمعنى أنه عديم النظير فيهما والأول هو الوجه والمعنى أنه تعالى مبدع لقطرى العالم العلوي والسفلي بلا مادة فاعل على الإطلاق منزه عن الانفعال بالمرة والوالد عنصر الولد منفعل
(١٦٨)