بخلاف الاستيداع «قد فصلنا الآيات» المبينة لتفاصيل خلق البشر من هذه الآية ونظائرها «لقوم يفقهون» غوامض الدقائق باستعمال الفطنة وتدقيق النظر في لطائف صنع الله عز وجل في أطوار تخليق بني آدم مما تحار في فهمه الألباب وهو السر في إيثار يفقهون على يعلمون كما ورد في شأن النجوم «وهو الذي أنزل من السماء ماء» تذكير لنعمة أخرى من نعمه تعالى منبئة عن كمال قدرته تعالى وسعة رحمته أي أنزل من السحاب أو من سمت السماء ماء خاصا هو المطر وتقديم الجار والمجرور على المفعول الصريح لما مر مرارا «فأخرجنا به» التفت إلى التكلم إظهارا لكمال العناية بشأن ما أنزل الماء لأجله أي فأخرجنا بعظمتنا بذلك الماء مع وحدته «نبات كل شيء» من الأشياء التي من شأنها النمو من أصناف النجم والشجر وأنواعهما المختلفة في الكم والكيف والخواص والآثار اختلافا متفاوتها في مراتب الزيادة والنقصان حسبما يفصح عنه قوله تعالى يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل وقوله تعالى «فأخرجنا منه خضرا» شروع في تفصيل ما أجمل من الإخراج وقد بدىء بتفصيل حال النجم أي فأخرجنا من النبات الذي لا ساق له شيئا غضا أخضر يقال شيء أخضر وخضر كأعور وعور وأكثر ما يستعمل الخضر فيمال تكون خضرته خلقية وهو ما تشعب من أصل النبات الخارج من الحبة وقوله تعالى «نخرج منه» صفة لخضر أو صيغة المضارع لاستحضار الصور لما فيها من الغرابة أي نخرج من ذلك الخضر «حبا متراكبا» هو السنبل المنتظم الحبوب المتراكبة بعضها فوق بعض على هيئة مخصوصة وقرئ يخرج منه حب متراكب وقوله تعالى «ومن النخل» شروع في تفصيل حال الشجر إثر بيان حال النجم فقوله تعالى من النخل خبر مقدم وقوله تعالى «من طلعها» بدل منه بإعادة العامل كما في قوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله الخ والطلع شيء يخرج من النخل كأنه نعلان مطبقان والحمل بينهما منضود وقوله تعالى «قنوان» مبتدأ أي وحاصلة من طلع النخل قنوان ويجوز أن يكون الخبر محذوفا لدلالة أخرجنا عليه أي ومخرجة من طلع النخل قنوان ومن قرأ يخرج منه حب متراكب كان قنوان عنده معطوفا على حب وقيل المعنى وأخرجنا من النخل نخلا من طلعها قنوان أو ومن النخل شيء من طلعها قنوان وهو جمع قنو وهو عنقود النخلة كصنو وصنوان وقرئ بضم القاف كذئب وذؤبان وبفتحها أيضا على أنه اسم جمع لأن فعلان ليس من أبنية الجمع «دانية» سهلة المجتنى قريبة من القاطف فإنها وإن كانت صغيرة ينالها القاعد تأتي بالثمر لا ينتظر الطول أو ملتفة متقاربة والاقتصار على ذكرها لدلالتها على مقابلتها كقوله تعالى سرابيل تقيكم الحر ولزيادة النعمة فيها «وجنات من أعناب» عطف على نبات كل شيء أي وأخرجنا به جنات كائنة من أعناب وقرئ جنات بالرفع على الابتداء أي ولكم
(١٦٦)