تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٣ - الصفحة ١١٥
والتبكيت «لمن ما في السماوات والأرض» من العقلاء وغيرهم أي لمن الكائنات جميعا خالقا وملكا وتصرفا وقوله تعالى «قل لله» تقرير لهم وتنبيه على أنه المتعين للجواب بالاتفاق بحيث لا يتأتى لأحد أن يجيب بغيره كما نطق به قوله تعالى ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله وقوله تعالى «كتب على نفسه الرحمة» جملة مستقلة داخلة تحت الأمر ناطقة بشمول رحمته الواسعة لجميع الخلق شمول ملكه وقدرته للكل مسوقة لبيان أنه تعالى رؤوف بعباده لا يعدل عليهم بالعقوبة ويقبل منهم التوبة والإنابة وأن ما سبق ذكره وما لحق من أحكام الغضب ليس من مقتضيات ذاته تعالى بل من جهة الخلق كيف لا ومن رحمته أن خلقهم على الفطرة السليمة وهداهم إلى معرفته وتوحيده بنصب الآيات الأنفسية والآفاقية وإرسال الرسل وإنزال الكتب المشحونة بالدعوة إلى موجبات رضوانه والتحذير عن مقتضيان سخطه وقد بدلوا فطرة الله تبديلا وأعرضوا عن الآيات بالمرة وكذبوا بالكتب واستهزءوا بالرسل وما ظلمهم الله ولكن كانوا هم الظالمين ولولا شمول رحمته لسلك بهؤلاء أيضا مسلك الغابرين ومعنى كتب الرحمة على نفسه أنه تعالى قضاها وأوجبها بطريق التفضل والإحسان على ذاته المقدسة بالذات لا بتوسط شيء أصلا وقيل ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما قضى الله تعالى الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي وعنه في رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لما قضى الله تعالى الخلق كتب كتابا فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي وعن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكعب ما أول شيء ابتدأه الله تعالى من خلقه فقال كعب كتب الله كتابا لم يكتبه بقلم ولا مداد كتابة الزبرجد واللؤلؤ والياقوت إني أنا الله لا إله إلا أنا سبقت رحمتي غضبي ومعنى سبق الرحمة وغلبتها أنها أقدم تعلقا بالخلق وأكثر وصولا إليهم مع أنها من مقتضيات الذات المفيضة للخير وفي التعبير عن الذات بالنفس حجة على من ادعى أن لفظ النفس لا يطلق على الله تعالى وأن أريد به الذات إلا مشاكلة لما ترى من انتفاء المشاكلة ههنا بنوعيها وقوله تعالى «ليجمعنكم إلى يوم القيامة» جواب قسم محذوف والجملة استئناف مسوق للوعيد على إشراكهم وإغفالهم النظر أي والله ليجمعنكم في القبور مبعوثين أو محشورين إلى يوم القيامة فيجازيكم على شركك وسائر معاصيكم وإن أمهلكم بموجب رحمته ولم يعاجلكم بالعقوبة الدنيوية وقيل إلى بمعنى اللام أي ليجمعنكم ليوم القيامة كقوله تعالى إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه وقيل هي بمعنى في أي ليجمعنكم يوم القيامة «لا ريب فيه» أي في اليوم أو في الجمع وقوله تعالى «الذين خسروا أنفسهم» أي بتضييع رأس مالهم وهو الفطرة الأصلية والعقل السليم والاستعداد القريب الحاصل من مشاهدة الرسول صلى الله عليه وسلم واستماع الوحي وغير ذلك من آثار الرحمة في موضع النصب أو الرفع على الذم أي أعني الذين الخ وهم مبتدأ والخبر قوله تعالى «فهم لا يؤمنون» والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط والإشعار بأن عدم إيمانهم بسبب خسرانهم فإن إبطال العقل باتباع الحواس والوهم والانهماك في التقليد وإغفال النظر أدى بهم إلى الإصرار على الكفر والامتناع من الإيمان والجملة تذييل مسوق من جهته تعالى لهم لتقبيح حا غير داخل
(١١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 5 - سورة المائدة قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود 2
2 قوله تعالى: ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل. 14
3 قوله تعالى: واتل عليهم بناء بني آدم بالحق. 26
4 قوله تعالى: يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر. 36
5 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء. 47
6 قوله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك. 60
7 (الجزء السابع) قوله تعالى: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا. 71
8 قوله تعالى: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس. 82
9 قوله تعالى: يوم يجمع الله الرسل فيقول ما ذا أجبتم. 93
10 6 _ سورة الأنعام 104
11 قوله تعالى: وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم. 116
12 قوله تعالى: إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله. 129
13 قوله تعالى: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. 143
14 قوله تعالى: وإذا قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة. 151
15 قوله تعالى: إن الله فالق الحب والنوى. 164
16 (الجزء الثامن) قوله تعالى: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة. 174
17 قوله تعالى: لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون. 184
18 قوله تعالى: هو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات. 191
19 قوله تعالى: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا. 197
20 7 - سورة الأعراف قوله تعالى: المص. 209
21 قوله تعالى: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا. 224
22 قوله تعالى: وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين. 230
23 قوله تعالى: وإلى عاد أخاهم هودا و قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. 237
24 (الجزء التاسع) قوله تعالى: قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنكما شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا. 248
25 قوله تعالى: وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون. 260
26 قوله تعالى: وواعدنا موسى ثلاثين ليلة و أتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة. 268
27 قوله تعالى: واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة و في الآخرة إنا هدنا إليك. 278
28 قوله تعالى: وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة و ظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه. 289
29 قوله تعالى: هو الذي خلقكم من نفس واحدة و جعل منها زوجها ليسكن إليها. 302