لم ينقص من ملكه شيئا بل كلما أهلك أمة أنشأ بدلها أخرى «ولو نزلنا عليك» جملة مستأنفة سيقت بطريق تلوين الخطاب لبيان شدة شكيمتهم في المكابرة وما يتفرع عليها من الأقاويل الباطلة إثر بيان إعراضهم عن آيات الله تعالى وتكذيبهم بالحق واستحقاقهم بذلك لنزول العذاب ونسبة التنزيل ههنا إليه عليه السلام مع نسبة إتيان الآيات ومجىء الحق فيما سبق إليهم للإشعار بقدحهم في نبوته عليه السلام في ضمن قدحهم فيما نزل عليه صريحا وقال الكلبي ومقاتل نزلت في النضرين الحرث وعبد الله بن أبي أمية ونوفل ابن خويلد حيث قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه أربعة من الملائكة يشهدون أنه من عند الله تعالى وأنك رسوله «كتابا» إن جعل اسما كالإمام فقوله تعالى «في قرطاس» متعلق بمحذوف وقع صفة له أي كتابا كائنا في صحيفة وإن جعل مصدرا بمعنى المكتوب فهو متعلق بنفسه «فلمسوه» 6 أي لكتاب وقيل القرطاس وقوله تعالى «بأيديهم» مع ظهور أن اللمس لا يكون عادة إلا بالأيدي لزيادة التعين ودفع احتمال التجوز الواقع في قوله تعالى وأما لمسنا السماء أي تفحصنا أي فمسوه بأيدهم بع ما رأوه بأعينهم بحيث لم يبق لهم في شانه اشتباه ولم يقدروا على الاعتذار بتسكير الأبصار «لقالوا» وإنما وضع الموصول موضع الضمير للتنصيص على اتصافهم بما في حيز الصلة من الكفر الذي لا يخفى حسن موقعه باعتبار مفهومه اللغوي أيضا «إن هذا» أي ما هذا مشيرين إلى ذلك الكتاب «إلا سحر مبين» أي بين كونه سحرا تعننا وعنادا للحق بعد ظهوره كما هو دأب المفحم المحجوج وديدان المكابر اللجوج «وقالوا لولا أنزل عليه ملك» شروع في قدحهم في نوبته عليه السلام صريحا بعد ما أشير إلى قدحهم فيهما ضمنا وقيل هو معطوف على جواب لو وليس بذاك لما أن تلك المقالة الشنعاء ليست مما يقدر صدوره عنهم على تقدير تنزيل الكتاب المذكور بل هي من أباطيلهم المحققة وخرافاتهم الملفقة التي يتعللون بها كلما ضاقت عليهم الحيل وعيت بهم العلل أي هلا أنزل عليه عليه السلام ملك بحيث نراه ويكلمنا أنه نبي حسبما نقل عنهم فيما روي عن الكلبي ومقاتل ونظيره قولهم لولا انزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ولما كان مدار هذا الاقتراح على شيئين إنزال الملك كما هو وجعله معه عليه السلام نذيرا أجيب عنه بأن ذلك مما لا يكاد يدخل تحت الوجود أصلا لاشتماله على أمرين متباينين لا يجتمعان في الوجود لما أن إنزال الملك على صورته يقتضي انتفاء جعله نذيرا وجعله نذيرا يستدعي عدم إنزاله على صورته لا محالة وقد أشير إلى الأول بقوله تعالى «ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر» أي لو أنزلنا ملكا عللا هيئاته حسبما اقترحوه والحال أنه من هول المنظر بحيث لا تطيق بمشاهدته قوى الآحاد البشرية ألا يرى أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يشاهدون الملائكة ويفاوضونهم على الصور
(١١٢)