في موقع التفصيل كما في قول من قال إذا ما بكى من خلفها انصرفت له بشق وشق عندنا لم يحول وتنوينه لتفخيم شأنه وتهويل أمره لذلك أوثر تقديمه على الخبر الذي هو «عنده» مع أن الشائع المستفيض هو التأخير كما في قولك عندي كلام حق ولي كتاب نفيس كأنه قيل وأي أجل مسمى مثبت معين في علمه لا يتغير ولا يقف على وقت حلوله أحد لا مجملا ولا مفصلا وأما أجل الموت فمعلوم إجمالا وتقريبا بناء على ظهور أماراته أو على ما هو المعتاد في أعمار الإنسان وتسميته أجلا إنما هي باعتبار كونه غاية لمدة لبثهم في القبور لا باعتبار كونه مبدأ لمدة القيامة كما أن مدار التسمية في الأجل الأول هو كونه آخر مدة الحياة لا كونه أول مدة الممات لما أن الأجل في اللغة عبارة عن آخر المدة لا عن أولها وقيل الأجل الأول ما بين الخلق والموت الثاني ما بين الموت والبعث مكن البرزخ فإن الأجل كما يطلق على آخر المدة يطلق على كلها وهو الأوفق لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله تعالى قضى لكل أحد أجلين أجلا من مولده إلى موته وأجلا من موته إلى مبعثه فإن كان برا تقيا وصولا للرحم زيد له من أجل البعث في أجل العمر وإن كان فاجرا قاطعا نقص من أجل العمر وزيد في أجلى البعث وذلك قوله تعالى وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب فمعنى عدم تغير الأجل حينئذ عدم تغير آخره والأول هو الأشهر الأليق بتفخيم الأجل الثاني المنوط باختصاصه بعلمه تعالى والأنسب بتهويله المبني على مقارنته للطامة الكبرى فإن كون بعضه معلوما للخلق ومضيه من غير أن يقع فيه شيء من الدواهي كما يستلزمه الحمل على المعنى الثاني مخل بذلك قطعا ومعنى زيادة الأجل ونقصه فيما روي تأخير الأجل الأول وتقديمه «ثم أنتم تمترون» استبعاد واستنكار لامترائهم في البعث بعد معاينتهم لما ذكر من الحجج الباهرة الدالة عليه أي تمترون في وقوعه وتحققه في نفسه مع مشاهدتكم في أنفسكم من الشواهد ما يقطع مادة الامتراء بالكلية فإن من قدر على إفاضة الحياة وما يتفرع عليها من العلم والقدرة وسائر الكمالات البشرية على مادة غير مستعدة لشيء منها أصلا كان أوضح اقتدار على إفاضتها على مادة قد استعدت لها وقارنتها مدة ومن ههنا تبين أن ما قيل من أن الأجل الأول هو النوم والثاني هو الموت أو أن الأول أجل الماضيين والثاني أجل الباقيين أو أن الأول مقدار ما مضى من عمر كل أحد والثاني مقدار ما بقي منه مما لا وجه له أصلا لما رأيت من أن مساق النظم الكريم استبعاد امترائهم في البعث الذي عبر عن وقته بالأجل المسمى فحيث أريد به أحد ما ذكر من الأمور الثلاثة ففي أي شيء يمترون ووصفهم بالامتراء الذي هو الشك وتوجيه الاستبعاد إليه مع أنهم جازمون بانتفاء البعث مصرون على إنكاره كما ينبئ عنه قولهم أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ونظائره للدلالة على أن جزمهم المذكور في أقصى مراتب الاستبعاد والاستنكار وقوله تعالى «وهو الله» جملة من مبتدأ وخبر معطوفة على ما قبلها مسوقة لبيان شمول أحكام إلهيته تعالى لجميع المخلوقات وإحاطة علمه بتفاصيل أحوال العباد واعمالهم المؤدية إلى الجزاء غثر الإشارة إلى تحقق المعاد في تضاعيف بيان كيفية خلقهم وتقدير آجالهم قوله تعالى «في السماوات وفي الأرض» متعلق بالمعنى
(١٠٧)