وفيه من المبالغة في التنزيه من حيث الاشتقاق من السبح الذي هو الذهاب والإبعاد في الأرض ومن جهة النقل إلى صيغة التفعيل ومن جهة العدول من المصدر إلى الاسم الموضوع له خاصة المشير إلى الحقيقة الحاضرة في الذهن ومن جهة إقامته مقام المصدر مع الفعل ما لا يخفى أي أنزهك تنزيها لائقا بك من أن أقول ذلك أو من أن يقال في حقك ذلك وأما تقدير من أن يكون لك شريك في الألوهية فلا يساعده سياق النظم الكريم وسياقه وقوله تعالى «ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق» استئناف مقرر للتنزيه ومبين للمنزه منه وما عبارة عن القول المذكور أي ما يستقيم وما ينبغي لي أن أقول قولا لا يحق لي أن أقوله وإيثار ليس على الفعل المنفي لظهور دلالته على استمرار انتفاء الحقية وإفادة التأكيد بما في حيزه من الباء فإن اسمه ضميره العائد إلى ما وخبره بحق والجار والمجرور فيما بينهما للتبيين كما في سقيا لك ونحوه وقوله تعالى «إن كنت قلته فقد علمته» استئناف مقرر لعدم صدور القول المذكور عنه عليه السلام بالطريق البرهاني فإن صدوره عنه مستلزم لعلمه تعالى به قطعا فحيث انتفى علمه تعالى به انتفى صدوره عنه حتما ضرورة أن عدم اللازم مستلزم لعدم الملزوم «تعلم ما في نفسي» استئناف جار مجرى التعليل لما قبله كأنه قيل لأنك تعلم ما أخفيه في نفسي فكيف بما أعلنه وقوله تعالى «ولا أعلم ما في نفسك» بيان للواقع وإظهار لقصوره أي ولا أعلم مات تخفيه من معلوماتك وقوله في نفسك للمشاكلة وقيل المراد بالنفس هو الذات ونسبة المعلومات إليها لما أنها مرجع الصفات التي من جملتها العلم لمتعلق بها فلم يكن كنسبتها إلى الحقيقة وقوله تعالى «إنك أنت علام الغيوب» تعليل لمضمون الجملتين منطوقا ومفهوما وقوله تعالى «ما قلت لهم إلا ما أمرتني به» استئناف مسوق لبيان ما صدر عنه قد أدرج فيه عدم صدور القول المذكور عنه على أبلغ وجه وآكده حيث حكم بانتفاء صدور جميع الأقوال المغايرة للمأمور به فدخل فيه انتفاء صدور القول المذكور دخولا أوليا أي ما أمرتهم إلا بما أمرتني به وإنما قيل ما قلت لهم نزولا على قضية حسن الأدب ومراعاة لما ورد في الاستفهام وقوله تعالى «أن اعبدوا الله ربي وربكم» تفسير للمأمور به وقيل عطف بيان للضمير في به وقيل بدل منه وليس من شرط البدل جواز طرح المبدل منه مطلقا ليلزم بقاء الموصول بلا عائد وقيل خبر مضمر أو مفعول مثل عو أو أعني «وكنت عليهم شهيدا» رقيبا أراعي أحوالهم وأحملهم على العمل بموجب أمرك وأمنعهم عن المخالفة أو مشاهدا لأحوالهم من كفر وإيمان «ما دمت فيهم» ما مصدرية ظرفية تقدر بمصدر مضاف إليه زمان ودمت صلتها أي كنت شهيدا عليهم مدة دوامي فيما بينهم «فلما توفيتني» بالرفع إلى السماء كما في قوله تعالى إني متوفيك ورافعك إلي فإن التوفي أخذ الشيء وافيا والموت نوع منه قال تعالى الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها «كنت أنت الرقيب عليهم» لا غيرك فأنت ضمير الفصل أو تأكيد وقرئ الرقيب بالرفع على أنه خبر أنت والجملة خبر لكان وعليهم
(١٠١)