في البيانية وقيل هو خبر بعد خبر عند من يجوز كون الخبر الثاني جملة كما في قوله تعالى فإذا هي حية تسعة وقيل هو الخبر والاسم الجليل بدل من هو وبه يتعلق الظرف المتقدم ويكفي في ذلك كون المعلوم فيهما كما في قولك رميت الصيد في الحرم إذا كان هو فيه وأنت خارجه ولعل جعل سرهم جهرهم فيهما لتوسيع الدائرة وتصوير أنه لا يعزب عن علمه شيء منهما في أي مكان كان لا لأنهما قد يكونان في السماوات أيضا وتعميم الخطاب لأهلها تعسف لا يخفى «ويعلم ما تكسبون» أي ما تفعلونه لجلب نفع أو دفع ضر من الأعمال المكتسبة بالقلوب أو بالجوارح سرا أو علانية وتخصيصها بالذكر مع اندراجها فيما سبق على التفسير الثاني للسر والجهر لإظهار كمال الاعتناء بها لأنها التي يتعلق بها الجزاء وهو السر في إعادة يعلم «وما تأتيهم من آية من آيات ربهم» كلام مستأنف وارد لبيان كفرهم بآيات الله وإعراضهم عنها بالكلية بعد ما بين في الآية الأولى إشراكهم بالله سبحانه وإعراضهم عن بعض آيات التوحيد وفي الآية الأثنية امتراؤهم في البعث وإعراضهم عن بعض ى يأته والالتفات للإشعار بأن ذكر قبائحهم قد اقتضى أن يضرب عنهم الخطاب صفحا وتعدد جناياتهم لغيرهم ذما لهم وتقبيحا لحالهم فما نافية وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية أو للدلالة على الاستمرار التجددي ومن الأولى مزيدة للاستغراق والثاني تبعيضية واقعة مع مجرورها صفة لآية وإضافة الآيات إلى اسم الرب المضاف إلى ضميرهم لتفخيم شأنها المستتبع لتهويل ما اجترءوا عليه في حقها والمراد بها إما الآيات التنزيلية فإتيانها نزولا والمعنى ما ينزل إليهم آية من الآيات القرآنية التي من جملتها هاتيك الآيات الناطقة بما فصل من بدائع صنع الله عز وجل المنبئة عن جريان أحكام ألوهيته تعالى على كافة الكائنات وإحاطة علمه بجميع أحوال الخق وأعمالهم الموجبة للإقبال عليها والإيمان بها «إلا كانوا عنها معرضين» أي على وجه التكذيب والاستهزاء كما ستقف عليه وأما الآيات التكوينية الشاملة للمعجزات وغيرها من تعاجيب المصنوعات فإتيانها ظهورها لهم والمعنى ما يظهر لهم آية من الآيات التكوينية التي من جملتها ما ذكر من جلائل شؤونه تعالى الشاهدة بوحدانيته إلا كانوا عنها معرضين تاركين للنظر الصحيح فيها المؤدي إلى الإيمان بمكونها وإيثاره على أن يقال إلا أعرضوا عنها كما وقع مثله في قوله تعالى وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر للدلالة على استمرارهم على الإعراض حسب استمرار إتيان الآيات وعن متعلقة بمعرضين قدمت عليه مراعاة للفواصل والجملة في محل النصب على أنها حال من مفعول تأتي أو من فاعله المتخصص بالوصف لاشتمالها على ضمير كل منهما وأيا ما كان ففيها دلالة بينة على كمال مسارعتهم إلى الإعراض وإيقاعهم له في أن الإتيان كما يفصح عنه كلمة لما في قوله تعالى «فقد كذبوا بالحق لما جاءهم» فإن الحق عبارة عن القرآن الذي أعرضوا عنه حين أعرضوا عن كل آية آية منه عبر بذلك إبانة لكمال قبح ما فعلوا به فإن تكذيب الحق مما لا يتصور صدوره
(١٠٩)