أو لكونه سببا للبسهم أو لوقوعه في صحبته بطريق المشاكلة وفيه تأكيد لاستحالة جعل النذير ملكا كأنه قيل لو فعلناه لفعلنا ما لا يليق بشأننا من لبس الأمر عليهم وقد جوز أن يكون المعنى وللبسنا عليهم حينئذ مثل ما يلبسون على أنفسهم الساعة في كفرهم بآيات الله البينة «ولقد استهزئ برسل من قبلك» تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما يلقاه من قومه وفي تصدير الجملة بلام القسم وحرف التحقيق من الاعتناء بها ما لا يخفى وتنوين رسل للتفخيم والتكثير ومن ابتدائية متعلقة بمحذوف وقع صفة لرسل أي وبالله لقد استهزىء برسل أولي شأن خطير وذوي عدد كبير كائنين من زمان قبل زمانك على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه «فحاق» عقيبه أي أحاط أو نزل أو حل أو نحو ذلك فإن معناه يدور على الشمول واللزوم ولا يكاد يستعمل إلا في الشر والحيق ما يشتمل على الإنسان من مكروه فعله وقوله تعالى «بالذين سخروا منهم» أي استهزؤا بهم من أولئك الرسل عليهم السلام متعلق بحاق وتقديمه على فاعله الذي هو قوله تعالى «ما كانوا به يستهزؤون» للمسارعة إلى بيان لحوق الشر بهم وما إما موصولة مفيدة للتهويل أي فأحاط بهم الذي كانوا يستهزءون به حيث أهلكوا لأجله وإما مصدرية أي فنزل بهم وبال استهزائهم وتقديم الجار والمجرور على الفعل لرعاية الفواصل «قل سيروا في الأرض» بعد بيان ما فعلت الأمم الخالية وما فعل به خوطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإنذار قومه وتذكيرهم بأحوالهم الفظيعة تحذيرا لهم عما هم عليه وتكملة للتسلية بما في ضمنه من العدة اللطيفة بأنه سيحيق بهم مثل ما حاق بأضرابهم الأولين ولقد أنجز ذلك يوم بدر أي إنجاز أي سيرو في الأرض لتعرف أحوال أولئك الأمم «ثم انظروا» أي تفكروا «كيف كان عاقبة المكذبين» وكلمة ثم إما لأن النظر في آثار الهالكين لا يتسنى إلا بعد انتهاء السير إلى أماكنهم وإما لإبانة ما بينهما من التفاوت في مراتب الوجوب وهو الأظهر فإن وجوب السير ليس إلا لكونه وسيلة إلى النظر كما يفصح عنه العطف بالفاء في قوله عز وجل فانظروا الآية وأما أن الأول الأول لإباحة السير للتجارة ونحوها والثاني لإيجاب النظر في آثارهم وثم لتباعد ما بين الواجب والمباح فلا يناسب المقام وكيف معلقة لفعل النظر ومحل الجملة النصب بنزع الخافض أي تفكروا في أنهم كيف أهلكوا بعذاب الاستئصال والعاقبة مصد كالعافية ونظائرها وهي منتهى الأمر ومآله ووضع المكذبين موضع المستهزئين لتحقيق أن مدار إصابة ما أصابهم هو التكذيب لينزجر السامعون عنه لا عن الاستهزاء فقط مع بقاء التكذيب بحالة بناء على توهم أنه المدار في ذلك «قل» لهم بطريق الإلجاء
(١١٤)