تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٢ - الصفحة ٩٩
فلن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم وفي رواية أخرى لا تبرحوا عن هذا المكان فإنا لا نزال غالبين ما دمتم في هذا المكان وقد كان كذلك فإن المشركين لما أقبلوا جعل الرماة يرشقونهم والباقون يضربونهم بالسيوف حتى انهزموا والمسلمين على آثارهم يقتلونهم قتلا ذريعا وذلك قوله تعالى «إذ تحسونهم» أي تقتلونهم قتلا كثيرا فاشيا من حسه إذا أبطل حسه وهو ظرف لصدقكم وقوله تعالى «بإذنه» أي بتيسيره وتوفيقه لتحقيق أن قتلهم بما وعدهم الله تعالى من النصر وقيل هو ما وعدهم بقوله تعالى «إن تصبروا وتتقوا» الآية وقد مر تحقيق أن ذلك كان يوم بدر كيف لا والموعود بما ذكر إمداده عز وجل بإنزال الملائكة عليهم السلام وتقييد صدق وعده تعالى بوقت قتلهم بإذنه تعالى صريح في أن الموعود هو النصر المعنوي والتيسير لا الإمداد بالملائكة وقيل هو ما وعده تعالى بقوله سنلقى الخ وأنت خبير بأن ألقاء الرعب كان عند تركهم القتال ورجوعهم من غير سبب أو بعد ذلك في الطريق على اختلاف الروايتين وأيا ما كان فلا سبيل إلى كونه مغيا بقوله تعالى «حتى إذا فشلتم» أي جبنتم وضعف رأيكم أو ملتم إلى الغنيمة فإن الحرص من ضعف القلب «وتنازعتم في الأمر» فقال بعض الرماة حين انهزم المشركون وولوا هاربين والمسلمون على أعقابهم قتلا وضربا فما موقفنا ههنا بعد هذا وقال أميرهم عبد الله بن جبير رضي الله عنه لا نخالف أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فثبت مكانه في نفر دون العشرة من أصحابه ونفر الباقون للنهب وذلك قوله تعالى «وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون» أي من الظفر والغنيمة وانهزام العدو فلما رأى المشركون ذلك حملوا عليهم من قبل الشعب وقتلوا أمير الرماة ومن معه من أصحابه حسبما فصل في تفسير قوله تعالى «أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم» وجواب إذا محذوف وهو منعكم نصره وقيل هو امتحنكم ويرده جعل الابتداء غاية للصرف المترتب على منع النصر وقيل هو انقسمتم إلى قسمين كما ينبئ عنه قوله تعالى «منكم من يريد الدنيا» وهم الذين تركوا المركز وأقبلوا على النهب «ومنكم من يريد الآخرة» وهم الذين ثبتوا مكانهم حتى نالوا شرف الشهادة هذا على تقدير كون إذا شرطية وحتى ابتدائية داخلة على الجملة الشرطية وقيل إذا اسم كما في قولهم إذا يقوم زيد يقوم عمرو وحتى حرف جر بمعنى إلى متعلقة بقوله تعالى صدقكم باعتبار تضمنه لمعنى النصر كأنه قيل لقد نصركم الله إلى وقت فشلكم وتنازعكم الخ وعلى هذا فقوله تعالى «ثم صرفكم عنهم» عطف على ذلك وعلى الأول عطف على الجواب المحذوف كما أشير إليه والجملتان الظرفيتان اعتراض بين المتعاطفين أي كفكم عنهم حتى حالت الحال ودالت الدولة وفيه من اللطف بالمسلمين مالا يخفى «ليبتليكم» أي يعاملكم معاملة من يمتحنكم بالمصائب ليظهر ثباتكم على الإيمان عندها «ولقد عفا عنكم» تفضلا ولما علم من ندمكم على المخالفة «والله ذو فضل على المؤمنين» تذييل مقرر لمضمون ما قبله ومؤذن بأن ذلك العفو بطريق التفضل والإحسان لا بطريق الوجوب عليه أي شأنه أن يتفضل عليهم بالعفو أو هو متفضل عليهم في جميع الأحوال أديل لهم أو اديل عليهم إذ الابتلاء أيضا رحمة والتنكير للتفخيم والمراد بالمؤمنين إما المخاطبون والإظهار في موقع الإضمار للتشريف والإشعار بعلة الحكم وإما الجنس وهم داخلون في الحكم دخولا أوليا
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (3 - سورة آل عمران) 2
2 قوله تعالى: قل أنبئكم بخير من ذلكم اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار. 15
3 قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين. 25
4 قوله تعالى: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله 40
5 (الجزء الرابع) قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل نفسه من قبل أن تنزل التوراة 58
6 قوله تعالى: من أهل الكتاب أمة قائمة يتلوا آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. 72
7 قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. 85
8 قوله تعالى: إذ تصعدون ولا تتلون على أحد والرسول يدعوكم. 100
9 قوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم 123
10 (4 - سورة النساء) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي من نفس واحدة. 137
11 قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد. 151
12 (الجزء الخامس) قوله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم. 163
13 قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. 175
14 قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. 201
15 قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا. 212
16 قوله تعالى: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة. 224
17 قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس. 232
18 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط. 242
19 (الجزء السادس) قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. 247
20 قوله تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده. 254